[ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ] أي وما أرسلناك يا محمد للعرب خاصة، وإنما أرسلناك لعموم الخلق، مبشرا للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذرا للكافرين من عذاب الجحيم
[ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ] أي ولكن هؤلاء الكافرين لا يعلمون ذلك، فيحملهم جهلهم على ما هم عليه من الغي والضلال
[ ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين ] أي ويقول المشركون على سبيل الاستهزاء والسخرية : متى هذا العذاب الذي تخوفوننا به ؟ إن كنتم صادقين فيما تقولون ؟ والخطاب للنبي والمؤمنين
[ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ] أي لكم زمان معين للعذاب يجيء في أجله الذي قدره الله له، لا يستأخر لرغبة أحد، ولا يتقدم لرجاء أحد، فلا تستعجلوا عذاب الله، فهو آتي لا محالة.. ثم أخبر تعالى عن تمادي المشركين في العناد والتكذيب، فقال سبحانه :
[ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ] أي لن نصدق بالقرآن، ولا بما سبقه من الكتب السماوية، الدالة على البعث والنشور
[ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ] أي ولو شاهدت يا محمد حال الظالمين المنكرين للبعث، في موقف الحساب
[ يرجع بعضهم إلى بعض القول ] أي يلوم بعضهم بعضا، ويؤنب بعضهم بعضا، وجواب [ لو ] محذوف للتهويل، تقديره : لرأيت أمرا فظيعا مهولا
[ يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ] أي يقول الأتباع للرؤساء : لولا إضلالكم لنا لكنا مؤمنين مهتدين
[ قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم ] ؟ أي قال الرؤساء جوابا للمستضفين : أنحن منعناكم عن الإيمان بعد أن جاءكم ؟ لا، ليس الأمر كما تقولون
[ بل كنتم مجرمين ] أي بل انتم كفرتم من ذات أنفسكم، بسبب أنكم كنتم مجرمين، راسخين فى الإجرام
[ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار ] أي وقال الأتباع للرؤساء : بل مكركم بنا في الليل والنهار، هو الذي صدنا عن الإيمان
[ إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ] أي وقت دعوتكم لنا إلى الكفر بالله، وأن نجعل له شركاء، ولولا تزيينكم لنا الباطل ما كفرنا
[ وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ] أي أخفى كل من الفريقين الندامة على ترك الإيمان، حين رأوا العذاب، أخفوها مخافة التعيير
[ وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ] أي وجعلنا السلاسل في رقاب الكفار، زيادة على تعذيبهم بالنار
[ هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ] أي لا يجزون إلا بأعمالهم التي عملوها، ولا يعاقبون إلا بكفرهم وإجرامهم !
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - ا لطباق بين لفظ [ يمين.. وشمال ] وبين [ بشير.. ونذير ] وبين [ تستقدمون وتستأخرون ] وبين [ استضعفوا.. واستكبروا ] وهو من المحسنات البديعية.
٢ - جناس الاشتقاق [ وقدرنا فيها السير سيروا ] فإن كلمة [ سيروا ] مشتقة من السير.
٣ - التعجيز بدعاء الجماد الذي لا يسمع ولا يحس [ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ].
٤ - التوبيخ والتبكيت [ قل من يرزقكم من السموات والأرض ] ؟.
٥ - حذف الخبر لدلالة السياق عليه [ قل الله ] أي قل الله الخالق الرازق للعباد، ودل على آلمحذوف سياق الآية.
٦ - المبالغة بذكر صيغ المبالغة [ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ] فإن فعال وفعيل وفعول من صيغ المبالغة، ومثلها [ وهو الفتاح العليم ].
٧ - حذف الجواب للتهويل والتفظيع [ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ] حذف الجواب للتهويل أي لو ترى حالهم لرأيت أمرا فظيعا مهولا.