[ جاعل الملائكة رسلا ] أي جاعل الملائكة وسائط بين الله وأنبيائه، لتبليغهم أوامر الله، قال ابن الجوزي : يرسلهم إلى الأنبياء وإلى ما شاء من الأمور
[ أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ] أي أصحاب أجنحة، بعضهم له جناحان، وبعضهم له ثلاثة، وبعضهم له أربعة، ينزلون بها من السماء إلى الأرض، ويعرجون بها إلى السماء
[ يزيد في الخلق ما يشاء ] أي يزيد في خلق الملائكة كيف يشاء، من ضخامة الأجسام، وتفاوت الأشكال، وتعدد الأجنحة، وقد رأى رسول (ص) جبريل ليلة الإسراء وله ستمائة جناح، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب (( الحديث أخرجه مسلم عن ابن مسعود، قال الزمخشري :" رأى رسول الله (ص) جبريل فى صورته له ستمائة جناح " )) وقال قتادة :[ يزيد في الخلق ما يشاء ] : الملاحة في العينين، والحسن في الأنف، والحلاوة في الفم (( والآية عامة تتناول كل زيادة في الخلق، من طول قامة، واعتدال صورة، وحصافة في العقل، وذلاقة فى اللسان، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به وصف، ومما لا يخطر على بال ! ))
[ إن الله على كل شيء قدير ] أي هو لعالى قادر على ما يريد، له الأمر والقوة والسلطان، لا يمتنع عليه فعل شيء أراده، ولا يتأبى عليه خلق شيء أراده ! ! وصف تعالى نفسه في هذه الآيات بصفتين جليلتين تحمل كل منهما صفة القدرة، وكمال الإنعام الأولى : أنه فاطر السموات والأرض أي خالقهما ومبدعهما من غير معالي يحتذيه، ولا قانون يتعاطاه، وفى ذلك دلالة على كمال قدرته، وشمول نعمته، فهو الذي رفع السماء بغير عمد، وجعلها مستوية من غير أود، وزينها بالكواكب والنجوم، وهو الذي بسط الأرض، وأودعها الأرزاق والأقوات، وبث فيها البحار والأنهار، وفجر فيها العيون والآبار، إلى غير ما هنالك من آثار قدرته العظيمة، وآثار صنعته البديعة، وعبر عن ذلك كله بقوله :[ فاطر السموات والأرض ] والثانية : اختيار الملائكة ليكونوا رسلا بينه وبين أنبيائه، وقد أشار إلى طرف من عظمته وكمال قدرته جل وعلا، بأن خلق الملائكة بأشكال عجيبة، وصور غريبة، وأجنحة عديدة، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ومنهم من له ستمائة جناح، ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، كما هو وصف جبريل عليه السلام، ومنهم من لا يعلم حقيقة خلقته وضخامة صورته إلا الله جل وعلا، فقد روى الزهري أن جبريل قال للنبي (ص) :" يا محمد كيف لو رأيت إسرافيل ! إن له لإثني عشر ألف جناح، منها جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، وأن العرش لعلى كاهله " ولو كشف لنا الحجاب لرأينا العجب العجاب، فسبحان الله ما أعظم خلقه، وما أبدع صنعه ! ! ثم بين تعالى نفاذ مشيئته، ونفوذ أمره في هذا العالم الذي فطره ومن فيه، وأخضعه لإرادته وتصرفه فقال :
[ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ] أى أي شيء يمنحه الله لعباده ويتفضل به عليهم من خزآئن رحمته، من نعمة، وصحة، وأمن، وعلم، وحكمة، ورزق، وارسال رسل لهداية الخلق، وغير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحيط بها عد، فلا يقدر أحد على إمساكه، وحرمان خلق الله منه، فهو الملك الوهاب، الذي لا مانع لما أعطى، ولما معطى لما منع
[ وما يمسك فلا مرسل له من بعده ] أي وأي شيء يمسكه ويحبسه عن خلقه، من خيري الدنيا والآخرة، فلا أحد يقدر على منحه للعباد، بعد أن أمسكه جل وعلا