[ وهو العزيز الحكيم ] أي هو تعالى الغالب على كل شيء، الحكيم في صنعه، الذي يفعل ما يريد على مقتضى الحكمة والمصلحة، قال المفسرون : والفتح والإمساك عبارة عن العطاء والمنع، فهو الذي يضر وينفع، ويعطي ويمنع، وفي الحديث :(أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد : اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا راد لما قضيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، ثم ذكرهم تعالى بنعمه الجليلة عليهم ليشكروه فقال :
[ يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم ] أي اشكروا ربكم على نعمه التى لا تعد ولا تحصى، التي أنعم بها عليكم، وليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط، ولكن المراد حفظها من الكفران، وشكرها بمعرفة حقها، والاعتراف بها، وإطاعة موليها، ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه : أذكر أيادي عندك
[ هل من خالق غير الله ] استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا خالق غيره تعالى، لا ما تعبدون من الأصنام
[ يرزقكم من السماء والأرض ] أي حال كونه تعالى هو المنعم على العباد بالرزق والعطاء، فهو الذي ينزل المطر من السماء، ويخرج النبات من الأرض، فكيف تشركون معه ما لا يخلق ولا يرزق، من الأوثان والأصنام ؟ ولهذا قال تعالى بعده :
[ لا إله الا هو ] أي لا رب ولا معبود بحق، إلا الله الواحد الأحد
[ فأنى تؤفكون ] أي فكيف تصرفون بعد هذا البيان، ووضوح البرهان، إلى عبادة الأوثان ؟ والغرض : تذكير الناس بنعم الله، وإقامة الحجة على المشركين، قال ابن كثير : نبه تعالى عباده وأرشدهم إلى الاستدلال على توحيده، بوجوب إفراد العبادة له، فكما أنه المستقل بالخلق والرزق، فكذلك يجب أن يفرد بالعبادة، ولا يشرك به غيره من الأصنام والأوثان
[ وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ] تسلية للنبي (ص) على كذيب قومه له والمعنى : وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون، فلا تحزن لتكذيبهم، فهذه سنة الله في الأنبياء من قبلك، فقد كذبوا وآوذوا حتى أتاهم نصرنا، فلك بهم أسوة، ولا بد أن ينصرك الله عليهم
[ وإلى الله ترجع الأمور ] أي إلى الله تعالى وحده، مرجع أمرك وأمرهم، وسيجازي كلا بعمله، وفيه وعيد وتهديد للمكذبين.. ثم ذكرهم تعالى بذلك الموعد المحقق، فقال سبحانه :
[ يا أيها الناس إن وعد الله حق ] أي إن وعده لكم بالبعث والجزاء ثابت لا محالة، لا خلف فيه
[ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ] أي فلا تلهكم الحياة الدنيا بزخرفها ونعيمها عن الحياة الآخرة قال ابن كثير : أي لا تتلهوا عن تلك الحياة الباقية، بهذه الزهرة الفانية
[ ولا يغرنكم بالله الغرور ] أي ولا يخدعنكم الشيطان المبالغ في الغرور، فيطمعكم في عفو الله وكرمه، ويمنيكم بالمغفرة، والإصرار على المعاصي ! ! ثم بين تعالى عداوة الشيطان للإنسان فقال سبحانه :
[ إن الشيطان لكم عدو فأتخذوه عدوا ] أي إن الشيطان لكم أيها الناس عدو لدود، وعداوته قديمة لا تكاد تزول، فعادوه كما عاداكم ولا تطيعوه، وكونوا على حذر منه، قال بعض العلماء : يا عجبا لمن عصى المحسن بعد معرفته بإحسانه، وأطاع اللعين بعد معرفته بعداوته
[ إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ] أي إنما غرضه أن يقذف بأتباعه في نار جهنم المستعرة، التي تعري الوجوه والجلود، لا غرض له إلا هذا، فهل يليق بالعاقل أن يستجيب لنداء الشيطان اللعين ؟ قال الطبري : أي إنما يدعو شيعته ليكونوا من المخلدين في نار جهنم، التي تتوقد على أهلها
[ الذين كفروا لهم عذاب شديد ] أي الذين جحدوا بالله ورسله، لهم عذاب دائم شديد، لا يقادر قدره، ولا يوصف هوله
[ والذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح


الصفحة التالية
Icon