[ والله خلقكم من تراب ] أي خلق أصلكم وهو آدم من تراب
[ ثم من نطفة ] أي ثم خلق ذريته من ماء مهين، وهو المنى الذي يصب في الرحم
[ ثم جعلكم أزواجا ] أي خلقكم ذكورا وإناثا، وزوج بعضكم من بعض ليتم البقاء في الدنيا إلى انقضائها ) قال الطبري : أي زوج منهم الأنثى من الذكر
[ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ] أي وما تحمل أنثى في بطنها من جنين، ولا تلد إلا بعلمه تعالى، يعلم أذكر هو أو أنثى، ويعلم أطوار هذا الجنين في بطن أمه، لا يخفى عليه شيء من أحواله
[ وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ] أي وما يطول عمر أحد من الخلق فيصبح هرما، ولا ينقص من عمر أحد، فيموت وهو صغير أو شاب، إلا وهو مسجل في اللوح المحفوظ، لا يزاد فيما كتب الله ولا ينقص
[ إن ذلك على الله يسير ] أي سهل هين، لأن الله قد أحاط بكل شيء علما.. ثم ضرب تعالى مثلا للمؤمن والكافر فقال :
[ وما يستوى البحران ] أي وما يستوي ماء البحر وماء النهر
[ هذا عذب فرات سائغ شرابه ] أي هذا ماء حلو شديد آلحلاوة، يكسر وهج العطش، ولمجمهل انحداره في الحلق لعذوبته
[ وهذا ملح أجاج ] أي وهذا ماء شديد الملوحة، يحرق حلق الشارب، لمرارته وشدة ملوحته، فكما لا يتساوى البحران : العذب، والملح، فكذلك لا يتساوى المؤمن مع الكافر، ولا البر مع الفاجر، قال أبو السعود : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، والفرات الذي يكسر العطش، والسائغ الذي يسهل انحداره لعذوبته، والأجاج الذي يحرق بملوحته
[ ومن كل تأكلون لحما طريا ] أي ومن كل واحد منهما تأكلون سمكا غضا طريا، مختلف الأنواع والطعوم والأشكال
[ وتستخرجون حلية تلبسونها ] أي وتستخرجون منهما اللؤلؤ والمرجان، للزينة والتحلي
[ وترى الفلك فيه مواخر ] أي وترى أيها المخاطب السفن العظيمة، تمخر عباب البحر، مقبلة ومدبرة، تحمل على ظهرها الأثقال والبضائع والرجال، وهي لا تغرق فيه، لأنها بتسخير الله جل وعلا
[ لتبتغوا من فضله ] أي لتطلبوا بركوبكم هذه السفن العظيمة، فضل الله بأنواع التجارات، والسفر إلى البلدان البعيدة في مدة قريبة
[ ولعلكم تشكرون ] أي ولكي تشكروا ربكم على إنعامه وإفضاله، في تسخيره ذلك لكم، ثم انتقل إلى آية أخرى من آيات قدرته وسلطانه في الآفاق، فقال سبحانه :
[ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ] أي يدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل، فيضيف من هذا إلى هذا وبالعكس، فيتفاوت بذلك طول الليل والنهار بالزيادة والنقصان، حسب الفصول والأمصار، حتى يصل النهار صيفا - في بعض البلدان إلى ثمان عشرة ساعة، وينقص الليل حتى يصل إلى ثمان ساعات - آية من آيات الله مشاهدة، لا يستطيع إنكارها جاحد أو مؤمن، ويحس بآثارها الأعمى والبصير.. آية شاهدة على قدرة الله، ودقة تصرفه في خلقه، وهذه الظاهرة الكونية دستور لا يتغير، ونظام محكم، لا يأتي بطريق الصدفة، وإنما هو من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه، فسبحان المدبر الحكيم العليم ! !