[ وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ] أي ذللهما لمصالح العباد، كل منهما يسير ويدور في مداره، الذي قدره الله له، لا يتعداه، إلى أجل معلوم هو يوم القيامة (( كان المظنون ان الشمس ثابتة في موضعها ولكن أثبت العلم الحديث أنها تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثنى عشر ميلا فى الثانية، والله الخبير العليم يخبر بسيرها وجريانها ﴿والشمس تجري لمستقر لها﴾. وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ مليون ضعف حجم أرضنا هذه، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء، لا يسندها شيء إلا هو، ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم " تفسير الجوهري " ))
[ ذلكم الله ربكم له الملك ] أي ذلكم الفاعل لهذه الأمور البديعة، هو ربكم العظيم الشأن، الذي له الملك والسلطان، والتصرف الكامل في الخلق
[ والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ] أي والذين تعبدون من دون الله من الأوثان والأصنام، لا يملكون شيئا ولو بمقدار القطمير، وهو القشرة الرقيقة التي بين التمرة والنواة، قال المفسرون : وهو مثل يضرب في القلة والحقارة، والأصنام لضعفها، وهوان شأنها وعجزها عن أي تصرف صارت مضرب المثل في حقارتها، بأنها لا تملك فتيلا ولا قطميرا.. ثم أكد تعالى ذلك بقوله :
[ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ] أي إن دعوتم هذه الأصنام، لم يسمعوا دعاءكم ولم يستجيبوا لندائكم، لأنها جمادات لا تسمع ولا تفهم
[ ولو سمعوا ما استجابوا لكم ] أي ولو سمعوا لدعائكم - على الفرض والتسليم - ما استجابوا لكم، لأنها ليست ناطقة فتجيب
[ ويوم القيامة يكفرون بشرككم ] أي وفي الآخرة حين ينطقهم الله، يتبرءون منكم ومن عبادتكم إياهم
[ ولا ينبئك مثل خبير ] أي ولا يخبرك يا محمد على وجه اليقين أحد إلا أنا - الله - الخالق العليم الخبير، قال قتادة : يعني نفسه عز وجل.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الاستعارة التمثيلية [ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ] شبه فيه إرسال النعم بفتح الخزائن للإعطاء، وكذلك حبر النعم بالإمساك، واستعير الفتح للإطلاق، والإمساك للمنع، على طريق الاستعارة التبعية.
٢- الطباق بين [ يفتح.. ويمسك ] وكذلك بين [ يضل.. ويهدي ] وبين [ تحمل.. وتضع ] وبين [ يعمر.. وينقص من عمره ].
٣ - المقابلة بين جزاء الأبرار والفجار [ آلذين كفروا لهم عذاب شديد.. والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ] وكذلك بين قوله :[ هذا عذب فرات.. وهذا ملح أجاج ] وكل من الطباق والمقابلة من المحسنات البديعية، إلا أن الأول يكون بين شيئين، والثاني بين أكثر.
٤ -حذف الجواب لدلالة اللفظ عليه [ أفمن زين له سوء عمله فرأه حسنا ] ؟ حذف منه ما يقابله، أي كمن لم يزين له سوء عمله ؟ ودل على هذا المحذوف قوله :[ فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء ].
٥ - الإطناب بتكرار الفعل [ فلا تغرنكم الحياة الدنيا.. ] ثم قال [ ولا يغرنكم بالله الغرور ]
٦ - الكناية [ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ] كناية عن الهلاك، لأن النفس إذا ذهبت هلك الإنسان، أي لا تهلك نفسك حسرة عليهم.
٧ - الالتفات من الغيبة إلى التكلم للإشعار بالعظمة [ أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه ]
٨- السجع لما له من وقع حسن على السمع مثل [ ليكونوا من أصحاب السعير ] [ لهم مغفرة وأجر كببر ] وأمثال ذلك وهو من المحسنات البديعية.
المناسبة :


الصفحة التالية
Icon