لما عدد تعالى نعمه على العباد، وأقام الأدلة والبراهين على قدرته وعزته وسلطانه، ذكرهم هنا بحاجتهم إليه، اآستغنائه جل وعلا عن جميع الخلق، وضرب الأمثال للتفريق بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، بالأعمى والبصير، والظلام والنور، " فبضدها تتميز الأشياء ".
اللغة :
[ وزر ] الوزر : الجبل المنيع الذي يعتصم به، ومنه قوله تعالى
[ كلا لا وزر ] ثم قيل للثقيل وزر تشبيها له بالجبل، ثم استعير للذنب لما فيه من إثقال كاهل الإنسان
[ تنذر ] تخوف، والإنذار التخويف
[ آلغيب ] ما غاب عن الإنسان ولم تدركه حواسه، قال الشاعر : وبالغيب آمنا وقد كان قومنا يصلون للأوثان قبل محمد
[ آلحرور ] شدة حر الشمس، قال في المصباح : الحر خلاف البرد والاسم الحرارة، وحرت النار : توقدت واستعرت، والحرور : الريح الحارة
[ جدد ] جمع جدة بالضم وهي الطريقة والعلامة، قال الجوهري : والجدة : الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه، والجدة الطريقة والجمع جدد وهي الطرائق المختلفة الألوان، قال القرطبي : قال الأخفش : لو كان جمع جديد لقال " جدد " بضم الجيم والدال نحو سرر
[ غرابيب ] جمع غربيب وهو الشديد السواد، يقال : أاسود غريب أي شديد السواد، قال امرؤ القيس : العين طامحة، واليد سابحة والرجل لافحة، والوجه غربيب
التفسير :
[ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ] الخطاب لجميع البشر لتذكيرهم بنعم الله الجليلة عليهم، أي أنتم المحتاجون إليه تعالى في بقائكم وكل أحوالكم، وفي الحركات والسكنات
[ والله هو الغني للحميد ] أي وهو جل وعلا الغنى عن العالم على الإطلاق، المحمود على نعمه، التي لا تحصى، قال أبو حيان : هذه آية موعظة وتذكير، وأن جميع الناس محتاجون إلى إحسان الله تعالى وإنعامه، في جميع أحوالهم، لا يستغني أحد عنه طرفة عين، وهو الغنى عن العالم على الإطلاق، المحمود على ما يسديه من النعم، المستحق للحمد والثناء.. ثم قرر تعالى استغناءه عن الخلق بقوله :
[ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ] أي لو شاء تعالى لأهلككم وأفناكم، وأتى بقوم آخرين غيركم، وفي هذا وعيد وتهديد
[ وما ذلك على الله بعزيز ] أي وليس ذلك بصعب أو ممتنع على الله، بل هو سهل يسير عليه سبحانه، لأنه يقول للشيء كن فيكون
[ ولا تزر وازرة وزر أخرى ] أي لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى، ولا تعاقب بذنب غيرها، كما يفعل جبابرة الدنيا، من أخذ الجار بالجار، والقريب بالقريب
[ وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ] أي وإن تدع نفس مثقلة بالأوزار، أحدا ليحمل عنها بعض أوزارها لا يتحمل عنها، ولو كان المدعو قريباأ لها، كالأب والابن، فلا غياث يومئذ لمن استغاث، وهو تاكيد لما سبق في أن الإنسان لا يتحمل ذنب غيره، قال الزمخشري : فإن قلت فما الفرق بين الآيتين ؟ قلت : الأول في الدلالة على عدل الله تعالى في حكمه، وأنه تعالى لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها، والثاني في أنه لا غياث يومئذ لمن استغاث
[ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ] أي إنما تنذر يا أيها الرسول بهذا القرآن الذين يخافون عقاب ربهم يوم القيامة
[ وأقاموا الصلاة ] أي وأدوا الصلاة على الوجه الأكمل، فضموا إلى طهارة نفوسهم طهارة أبدانهم بالصلاة المفروضة في أوقاتها
[ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ] أي ومن طهر نفسه من أدناس المعاصي، فإنما ثمرة ذلك التطهر عائدة عليه، فصلاحه وتقواه مختص به ولنفسه
[ وإلى الله المصير ] أي إليه تعالى وحده مرجع الخلائق يوم القيامة، فيجازي كلا بعمله، وهو إخبار متضمن معنى الوعيد