[ وما يستوي الأعمى والبصير ] هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر أي كما لا يتساوى الأعمى مع البصير، فكذلك لا يتساوى المؤمن المستنير بنور القرآن، والكافر الذي يتخبط في الظلام،
[ ولا الظلمات ولا النور ] أي لا يتساوى كذلك الكفر والإيمان، كما لا يتساوى النور والظلام
[ ولا الظل ولا الحرور ] أي وكذلك لا يستوي الحق والباطل، والهدى والضلال، كما لا يستوي الظل الظليل، مع شدة حر الشمس المتوهجة، قال المفسرون : ضرب الله الظل مثلا للجنة وظلها الظليل، وأشجارها اليانعة تجري من تحتها الأنهار، كما جعل الحرور مثلا للنار وسعيرها، وشدة اوارها وحرها، وجعل الجنة مستقرا للأبرار، والنار مستقرا للفجار، كما قال تعالى :[ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ] ثم أكد ذلك بقوله :
[ وما يستوي الأحياء ولا الأموات ] أي كما لا يستوي العقلاء والجهلاء، قال أبو حيان : وترتيب هذه الأشياء في بيان عدم الاستواء، جاء في غاية الفصاحة، فقد ذكر الأعمى والبصير مثلا للمؤمن والكافر، فذكر ما عليه الكافر من ظلمة الكفر، وما عليه المؤمن من نور الإيمان، ثم ذكر مالهما وهو الظل والحرور، فالمؤمن بإيمانه في ظل وراحة، والكافر بكفره في حر وتعب، ثم ذكر مثلا آخر على أبلغ وجه، وهو الحى والميت، فالأعمى قد يكون فيه بعض النفع بخلاف الميت، وجمع الظلمات لأن طرق الكفر متعددة، وأفرد النور لأن التوحيد والحق واحد، لا يتعدد، وقدم الأشرف في المثلين الأخيرين، وهما " الظل، والحى " وقدم الأوضح في المثلين الأولين وهما " الأعمى، والظلمات " ليظهر الفرق جليا، ولا يقال ذلك لأجل السجع، لأن معجزة القرآن ليست في مجرد اللفظ، بل في المعنى أيضا، فلله سر القرآن.. ثم زاد في الإيضاح والبيان فقال سبحانه
[ إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور ] أي إن الله يسمع من يشاء إسماعه دعوة الحق، فيحببه بالإيمان وشرح صدره للإسلام، وما أنت يا محمد بمسمع هؤلاء الكفار، لأنهم أموات القلوب، لا يدركون ولا يفقهون، قال ابن الجوزي : أراد بمن في القبور الكفار، وشبههم بالموتى، أي فكما لا يقدر أن يسمع من في القبور كتاب الله، وينتفع بمواعظه، فكذلك من كان ميت القلب لا ينتفع بما يسمع
[ إن أنت إلا نذير ] أي ما أنت يا محمد إلا رسول منذر، تخوف هؤلاء الكفار من عذاب النار
[ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ] أي بعثناك بالهدى ودين الحق، بشيرا للمؤمنين، ونذيرا للكافرين
[ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ] أي ما من أمة من الأمم في العصور والأزمنة الخالية، إلا وقد جاءها رسول
[ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم ] تسلية للنبي (ص) للتأسي بالأنبياء، في الصبر على تحمل الأذى والبلاء، قال الطبري : أي وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون من قومك، فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم السابقة رسلهم
[ جاءتهم رسلهم بالبينات ] أي جاءتهم الرسل بالمعجزات البينات، والحجج الواضحات، فكذبوهم وأنكروا ما جاءوا به من عند الله
[ وبالزبر وبالكتاب المنير ] أي وجاءوهم بالزبر أي الصحف المنزلة على الأنبياء، وبالكتب السماوية المقدسة، المنيرة الواضحة، وهي أربعة :(التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان) ومع ذلك كذبوهم وردوا عليهم رسالتهم، فاصبر كما صبروا
[ ثم أخذت الذين كفروا ] أي ثم بعد إمهالهم، أخذت هؤلاء الكفار بالهلاك والدمار
[ فكيف كان نكير ] أي فكيف كانت عقوبتي لهم وإنكاري عليهم ؟ ألم آخذهم أخذ عزيز مقتدر ؟ ألم أبذل نعمتهم نقمة ؟ وسعادتهم شقاوة ؟ وعمارتهم خرابا ؟ وهكذا أفعل بمن كذب رسلي.. ثم عاد إلى تقرير وحدانية الله، بالأدلة السماوية والأرضية فقال سبحانه :


الصفحة التالية
Icon