[ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ] أي ألم تر أيهاا المخاطب، أن الله العظيم الكبير الجليل، أنزل من السحاب المطر بقدرته ؟
[ فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ] أي فأخرجنا بذلك الماء، أنواع النباتات والفواكه والثمار، المختلفات الأشكال والألوان والطعوم، قال الزمخشرى : أي مختلف اجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها، مما لا يحصر، أو هيئاتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها
[ ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ] أي وخلق الجبال كذلك، فيها الطرائق المختلفة آلألوان - وإن كان الجميع حجرا أو ترابا - فمن الجبال جدد - أي طرائق - مختلفة الألوان، بيض مختلفة البياض، وحمر مختلفة فى حمرتها
[ وغرابيب سود ] أي وجبال سود غرابيب أي شديدة السواد، قال ابن جزي : قدم الوصف الأبلغ وكان حقه أن يتأخر، وذلك لقصد التأكيد، وكثيرا ما يأتي مثل هذا في كلام العرب، والغرض بيان قدرته تعالى، فليس اختلاف الألوان قاصرا على الفواكه والثمار، بل إن في طبقات الأرض، وفي الجبال الصلبة، ما هو أيضا مختلف الألوان (( يقول شهيد الاسلام في تفسيره الظلال : هذه لفتة كونية عجيبة من اللفتات الدالة على مصدر هذا الكتاب، تبدأ بانزال الماء من السماء، وإخراج الثمرات المختلفات الألوان، ثم تنتقل الى ألوان الجبال، ففي ألوان الصخور شبه عجيب بألوان الثمار وتنوعها وتعددها، واللفتة إلى ألوان الصخور وتنوعها داخل اللون الواحد، تهز القلب هزا، وتوقظ فيه حاسة الذوق الجمالي العالي، بما يستحق النظر والالتفات، ثم الوان النأس - وهي لا تقف عند حد - وكذلك ألوان الدواب والأنعام، والدابة كل حيوان، والأنعام هي الإبل والبقر والغنم والماعز، ذات الألوان والأصباغ العجيبة، كلها معروضة للأنظار في هذا الكتاب الكوني، الجميل الصفحات، العجيب في التكوين والتلوين ))، حتى لتجد الجبل الواحد، ذا ألوان عجيبة، وفيه عروق تشبه المرجان، ولا سيما في صخور " الرخام " فسبحان القادرعلى كل شيء
[ ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ] أي وخلق من الناس، والدواب، والأنعام، خلقا مختلفا ألوانه، كإختلاف الثمار والجبال، فهذا أبيض، وهذا أحمر، وهذا أسود، والكل خلق الله فتبارك الله أحسن الخالقين.. ثم لما عدد آيات الله، واعلام قدرته، وآثار صنعه، وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس اتبع ذلك بقوله :
[ إنما يخشى الله من عباده العلماء ] أي إنما يخشاه تعالى العلماء، لأنهم عرفوه حق معرفته، قال ابن كثير : أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر
[ إن الله عزيز غفور ] أي غالب على كل شيء بعظمته، غفور لمن تاب وأناب من عباده، ثم أخبر عن صفات هؤلاء الذين يخافون الله ويرجون رحمته، فقال سبحانه :
[ إن الذين يتلون كتاب الله ] أي يداومون على تلاوة القرآن، أناء الليل وأطراف النهار
[ وأقاموا الصلاة ] أي أدوها على الوجه الأكمل، في أوقاتها، بخشوعها وآدابها، وشروطها وأركانها
[ وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ] أي وأنفقوا بعض أموالهم في سبيل الله وإبتغاء رضوانه في السر والعلن
[ يرجون تجارة لن تبور ] أي يرجون بعملهم هذا تجارة رابحة، لن تكسد ولن تهلك بالخسران أبدا
[ ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ] أي ليوفيهم الله جزاء أعمالهم، وثواب ما فعلوا من صالح الأعمال، ويزيدهم - فوق أجورهم - من فضله وإنعامه وإحسانه، قال في التسهيل : توفية الأجور هو ما يستحقه المطيع من الثواب، والزيادة : التضعيف فوق ذلك أو النظر إلى وجه الله)


الصفحة التالية
Icon