[ والذين كفروا لهم نار جهنم ] أي والذين جحدوا آيات الله، وكذبوا رسله، فإن لهم نار جهنم المستعرة، جزاء وفاقا على كفرهم
[ لا يقضى عليهم فيموتوا ] أي لا يحكم عليهم بالموت فيها، حتى يستريحوا من عذاب النار
[ ولا يخفف عنهم من عذابها ] أي ولا يخفف عنهم شيء من العذاب، بل هم في عذاب دائم مستمر، لا ينقطع كقوله تعالى :[ كلما خبت زدناهم سعيرا ]
[ كذلك نجزي كل كفور ] أي مثل ذلك العذاب الشديد الفظيع، نجازي ونعاقب كل مبالغع في الكفر والعصيان
[ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ] أي وهم يتصارخون في جهنم ويستغيثون برفع أصواتهم، قائلين : ربنا أخرجنا من النار، وردنا إلى الدنيا لنعمل عملا صالحا يقربنا منك، غير الذي كنا نعمله، قال القرطبي : أي نؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية، ونمتثل أمر الرسل.. وفي قولهم :[ غير الذي كنا نعمل ] إعتراف بسوء عملهم، وتندم عليه وتحسر.. قال تعالى ردا عليهم وموبخا لهم :
[ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ] أي أولم نترككم ونمهلكم في الدنيا، عمرا مديدا، يكفي لأن يتذكر فيه من يريد التذكر والتفكر ؟ فماذا صنعتم في هذه المدة التي عشتموها ؟ وما لكم تطلبون عمرا آخر ؟ وفي الحديث (أعذر الله إلى امرىء أخر آجله حتى بلغ ستين سن٢) ومعنى " أعذر " أي بلغ به أقصى غايات العذر
[ وجاءكم النذير ] أي وجاءكم الرسول المنذر، وهو (محمد) (ص) الذي بعث بين يدي الساعة، وقيل :[ النذير ] هو الشيب، والأول أصح وأظهر
[ فذوقوا فما للظالمين من نصير ] أي فذوقوا العذاب يا معشر الكافرين، فليس لكم اليوم ناصر، ولا معين يدفع عنكم عذاب الله، قال الإمام الفخر ؟ والأمر أمر إهانة [ فذوقوا ] وفيه إشارة إلى الدوام، وإنما وضع الظاهر [ للظالمين ] موضع الضمير " لكم " لتسجيل الظلم عليهم، وأنهم بكفرهم وظلمهم، ليس لهم نصير أصلا، لا من الله ولا من العباد، ثم قال تعالى :
[ إن الله عالم غيب السموات والأرض ] أي هو تعالى العالم الذي أحاط علمه بكل ما خفي في الكون من غيب السموات والأرض، لا يخفى عليه شأن من شئونهما
[ إنه عليم بذات الصدور ] أي يعلم جل وعلا مضمرات الصدور، وما تخفيه من الهواجر والوساوس، فكيف لا يعلم أعمالهم الظاهرة ؟ قال المفسرون : والجملة لتأكيد ما سبق من دوام عذاب الكفار في النار، لأن الله تعالى يعلم من الكافر، أنه تمكن الكفر في قلبه، بحيث لو دام في الدنيا إلى الأبد، ما آمن بالله ولا عبده، فالعذاب الأبدي مساو لكفرهم الأبدي، فلا ظلم ولا زيادة [ ولا يظلم ربك أحدا ]، قال القرطبي : والمعنى علم تعالى أنه لو ردكم إلى الدنيا لم تعملوا صالحا كما قال تعالى :[ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ]
[ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ] أي هو تعالى جعلكم أيها الناس خلائف في الأرض، بعد عاد وثمود ومن مضى قبلكم من الأمم، تخلفونهم فى مساكنهم، جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن
[ فمن كفر فعليه كفره ] أي فمن كفر بالله فعليه وبال كفره، لا يضر بذلك إلا نفسه
[ ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ] أي ولا يزيدهم كفرهم إلا طردا من رحمة الله، وبعدا وبغضا شديدا من الله


الصفحة التالية
Icon