[ هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم ] أي هل يرضى أحدكم، أن يكون عبده ومملوكه شريكا له في ماله، الذي رزقه الله تعالى ؟ فإذا لم يرض أحدكم لنفسه ذلك، فكيف ترضون لله شريكا له ؟ وهو في الأصل مخلوق وعبد لله ؟
[ فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ] هذا من تتمة المثل، أي أنتم لا ترضون أن يشارككم عبيدكم ومماليككم، فيما بأيديكم من الأموال، وهم أمثالكم في البشرية ؟ فكيف تشركون به سبحانه مخلوقاته ؟ حيث تصنعونها بأيديكم ثم تعبدونها ؟ هل هذا منطق سليم، ورأي قويم ؟ فكيف رضيتم لله شريكا في خلقه وملكه ؟
[ كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ] أي مثل ذلك البيان الواضح، نبين الآيات لقوم يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال
[ بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم ] بل للإضراب أي ليس لهم حجة ولا معذرة في إشراكهم بالله، بل ذلك بمجرد هوى النفس، بغير علم ولا برهان، قال القرطبي : لما قامت عليهم الحجة، ذكر أئهم يعبدون الأصنام باتباع أهوائهم في عبادتها، وتقليد الأسلاف في ذلك
[ فمن يهدي من أضل الله ] أي لا أحد يستطيع أن يهدي من أراد الله إضلاله
[ وما لهم من ناصرين ] أي ليس لهم من عذاب الله منقذ ولا ناصر
[ فأقم وجهك للدين ] أي أخلص دينك لله، وتوجه إلى الإسلام بهمة ونشاط
[ حنيفا ] أي مائلا عن كل دين باطل، إلى الدين الحق وهو الإسلام
[ فطرة الله التي فطر الناس عليها ] أي هذا الدين الحق، الذي أمرناك بالاستقامة عليه، هو خلقة الله التي خلق الناس عليها، وهو فطرة التوحيد، كما في الحديث (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه ) الحديث
[ لا تبديل لخلق الله ] أي لا تغيير لتلك الفطرة السليمة من جهته تعالى، قال ابن الجوزي : لفظه لفظ النفي، ومعناه النهي، أي لا تبدلوا خلق الله، فتغيروا الناس عن فطرتهم، التي فطرهم الله عليها
[ ذلك الدين القيم ] أي ذلك هو الدين المستقيم
[ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ] أي أكثر الناس جهلة لا يتفكرون، فيعلمون أن لهم خالقا معبودا
[ منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ] أي أقيموا وجوهكم أيها الناس، على الذين الحق، حال كونكم منيبين إلى ربكم، أي راجعين إليه بالتوبة وإخلاص العمل، وخافوه وراقبوه في أقوالكم وأفعالكم، وأقيموا الصلاة على الوجه الذي يرضي الله
[ ولا تكونوا من المشركين ] أي ولا تكونوا ممن أشرك بالله، وعبد غيره ! ثم فسر المشركين بقوله
[ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ] أي من الذين اختلفوا في دينهم، وغيروه وبدلوه، فأصبحوا شيعا وأحزابا، كل يتعصب لدينه، وكل يعبد هواه
[ كل حزب بما لديهم فرحون ] أي كل جماعة وفرقة متمسكون بما أحدثوه، مسرورون بما هم عليه من الدين المعوج، يحسبون باطلهم حقا، قال ابن كثير : أي لا تكونوا من المشركبن الذين فرقوا دينهم، أي بدلوه وغيروه، وآمنوا ببعض وكفروا ببعض، كإليهود والنصارى، والمجوس وعبدة الأوثان، وسائر أهل الأديان الباطلة - مما عدا أهل الإسلام - فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على أراء ومذاهب باطلة، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء
[ وإذا مس الناس ضر ] أي وإذا أصاب الناس شدة وفقر، ومرض، وغير ذلك من أنواع البلاء
[ دعوا ربهم منيبين إليه ] أي أفردوه تعالى بالتضرع والدعاء لينجوا من ذلك الضر، وتركوا اصنامهم، لعلمهم لأنه لا يكشف الضر إلا الله تعالى، فلهم في ذلك الوقت إنابة وخضوع
[ ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ] أي ثم إذا أعطاهم السعة والرخاء والصحة، وخلصهم من ذل الضر والشدة، إذا جماعة منهم يشركون بالله ويعبدون معه غيره، والغرض من الآية : التشنيع على المشركين، فإنهم يدعون الله في الشدائد، ويشركون به في الرخاء