[ ليكفروا بما أتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ] أمر على وجه التهديد، أي ليكفروا بنعم الله، وليتمتعوا في هذه الدنيا، فسوف تعلمون أيها المشركون، عاقبة تمتعكم بزينة الحياة ونعيمها الفانى
[ أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون ] الاستفهام للإنكار والتوبيخ والمعنى : هل أنزلنا على هؤلاء المشركين، حجة واضحة قاهرة على شركهم، أو كتابا من السماء، فهو ينطق ويشهد بشركهم ؟ وبصحة ما هم عليه ؟ ليس الأمر كما يتصورون، والمراد ليس لهم حجة بذلك
[ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها ] أي وإذا أنعمنا على الناس بالخصب والسعة والعافية استبثروا وسروا بها
[ وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ] أي وإن أصابهم بلاء وعقوبة بسبب معاصيهم إذا هم ييأسون من الرحمة والفرج، قال ابن كثير : وهذا إنكار على الإنسان من حيث هو، إلا من عصمه الله، إذا أصابته نعمة بطر، وإذا أصابته شدة قنط وأيس
[ أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ] أي أولم يروا قدرة الله، في البسط والقبض ؟ وأنه تعالى يوسع الخير في الدنيا لمن يشاء، ويضيق على من يشاء ؟ فلا يجب أن يدعوهم الفقر، إلى القنوط من رحمته تعالى
[ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ] أي إن في المذكور لدلالة واضحة على قدرة الله، لقوم يصدقون بحكمة الخالق الرازق
[ فاءت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ] أي فأعط القريب حقه من البر والصلة، وكذلك المسكين، والمسافر الذي انقطع في سفره، أعطه من الصدقة والإحسان، قال القرطبي : لما تقدم أنه سبحانه يبسط الرزق ويقدر، أمر من وسع عليه الرزق، أن يعطي الفقير كفايته، ليمتحن شكر الغني، والخطاب للنبي عليه السلام، والمراد هو وأمته
[ ذلك خير للذين يريدون وجه الله ] أي ذلك الإيتاء والإحسان خير للذين يبتغون بعملهم وجه الله ويريدون ثوابه
[ وأولئك هم المفلحون ] أي وأولئك هم الفائزون بالدرجات العالية
[ وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله ] أي وما أعطيتم من أموالكم يا معشر الأغنياء، على وجه الربا، ليزيد مالكم ويكثر به، فلا يزيد ولا يزكى ولا يضاعف عند الله، لأنه كسب خبيث لا يبارك الله فيه، قال الزمخشري : هذه الآية كقوله تعالى [ يمحق الله الربا ويربي الصدقات ] سواء بسواء
[ وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله ] أي وما أعطيتم من صدقة أو إحسان، خالصا لوجه الله الكريم
[ فأولئك هم المضعفون ] أي فأولئك هم الذين لهم الضعف من الأجر والثواب، الذين تضاعف لهم الحسنات
[ آلله الذى خلقكم ثم رزقكم ] أي الله جل وعلا هو الخالق الرازق للعباد، يخرج الإنسان من بطن أمه عريانا، لا علم له ولا سمع ولا بصر، لم يرزقه بعد ذلك، المال والمتاع والأملاك
[ ثم يميتكم ثم يحييكم ] أي ثم يميتكم بعد هذه الحياة، ثم يحييكم يوم القيامة، ليجازيكم على أعمالكم
[ هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ] أي هل يستطيع أحد ممن تعبدونهم من دون الله، أن يفعل شيئا من ذلك ؟ بل الله تعالى هو المستقل بالخلق والرزق، والإحياء والإماتة
[ سبحانه وتعالى عما يشركون ] أي تنزه جل وعلا وتقدس عن أن يكون له شريك أو مثيل، أو ولد أو والد، وتعالى عما يقول المشركون علوا كبيرا!
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الطباق بين قوله [ خوفا.. وطمعا ] وبين [ يبسط.. ويقدر ] وبين [ يميتكم.. ويحييكم ] وبين [ يبدء.. ويعيد ].
٢ - جناس الاشتقاق [ دعاكم دعوة ] [ فطرت الله التي فطر ].
٣ - المقابلة بين قوله [ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها ] وبين [ وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ].


الصفحة التالية
Icon