[ وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ] أي يستوي عندهم إنذارك لهم يا محمد، وتخويفك لهم وعدمه، لأن من خيم على عقله ظلام الضلال، وعشعشت في قلبه شهوات الطغيان، لا تنفعه القوارع والزواجر
[ لا يؤمنون ] أي فهم بسبب ذلك لا يؤمنون، لأن الإنذار لا يخلق القلوب الميتة، إنما يوقظ القلب الحى المستعد لتلقي الإيمان، وهذا تسلية له (ص) وكشف لحقيقة ما إنطوت عليه قلوبهم من الطغيان
[ إنما تنذر من إتبع الذكر ] أي إنما ينفع إنذارك يا أيها الرسول، من آمن بالقرآن وعمل بما فيه
[ وخشي الرحمن بالغيب ] أي وخاف الله دون أن يراه قال ابو حيان :[ وخشي الرحمن ] أي المتصف بالرحمة، والرحمة تدعو إلى الرجاء، لكنه مع علمه برحمته يخشاه جل وعلا، خوفا من أن يسلبه ما أنعم به عليه، ومعنى " بالغيب " أي بالخلوة عند مغيب الإنسان عن عيون البشر
[ فبشره بمغفرة وأجر كريم ] لما انتفع بالإنذار كان جديرا بالبشارة، أي فبشره يا محمد بمغفرة عظيمة من الله لذنوبه، وأجر كريم في الآخرة فى جنات النعيم قال ابن كثير : الأجر الكريم هو الكثير الواسع، الحسن الجميل وذلك إنما يكون في الجنة. ولما ذكر تعالى أمر الرسالة، ذكر بعدها أمر البعث والنشور فقال سبحانه
[ إنا نحن نحي الموتى ] أي نبعثهم من قبورهم بعد موتهم، للحساب والجزاء
[ ونكتب ما قدموا وآثارهم ] قال الطبري : أي ونكتب ما قدموا فى الدنيا من خير وشر، ومن صالح الأعمال وسيئها [ وآثارهم ] أي وآثار خطاهم بأرجلهم إلى المساجد، وفي الحديث عن جابر قال (أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد - والبقاع خالية - فبلغ ذلك النبى (ص) فقال :(يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم ) فقالوا : ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا).
[ وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ] أي وكل شيء من الأشياء، أو أمر من الأمور، جمعناه وضبطناه في كتاب مسطور هو صحائف الأعمال، كقوله تعالى [ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ] أي بكتاب أعمالهم، الشاهد عليهم بما عملوه من خير أو شر، وقال مجاهد وقتادة : هو اللوح المحفوظ وقال ابو حيان :[ ونكتب ما قدموا ] أي ونحصي فعبر عن إحاطة علمه جل وعلا بأعمالهم، بالكتابة التي تضبط بها الأشياء.. ثم ذكر تعالى للمشركين قصة أهل القرية، الذين كذبوا الرسل فأهلكهم الله بصيحة من السماء، فقال سبحانه
[ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية ] أي وأذكر يا محمد لقومك الذين كذبوك قصة أصحاب القرية (إنطاكية) التي هي في الغرابة كالمثل السائر، والقول العجيب
[ إذ جاءها المرسلون ] أي حين جاءهم رسلنا الذين أرسلناهم لهدايتهم قال القرطبي : وهذه القرية هي(إنطاكية) في قول جميع المفسرين، أرسل الله إليهم ثلاثة رسل، وأمر (ص) بإنذار هؤلاء المشركين، أن يحل بهم ما حل بكفار أهل القرية المبعوث إليهم ثلاثة رسل من الله، وقيل : هم رسل عيسى (( وما ذكره من أنهم رسل عيسى قول مرجوح لأن قوله تعالى :﴿ما أنتم الا بشر مثلنا﴾ إنما يقال لمن ادعى أن الله أرسله كذا في التسهيل ))
[ إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما ] أي حين بعثنا إليهم رسولين فبادروهما بالتكذيب
[ فعززنا بثالث ] أي قويناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث
[ فقالوا إنا إليكم مرسلون ] أي نحن رسل الله مرسلون لهدايتكم
[ قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا ] أي ليس لكم فضل علينا وما أنتم إلا بشر مثلنا، فكيف أوحى الله إليكم دوننا ؟
[ وما أنزل الرحمن من شيء ] أي لم ينزل الله شيئا من الوحي والرسالة
[ إن أنتم إلا تكذبون ] أي ما أنتم إلا قوم تكذبون في دعوى الرسالة


الصفحة التالية
Icon