[ قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ] أي أجابهم الرسل بقولهم : الله يعلم إننا رسله إليكم، ولو كنا كذبة لإنتقم الله منا أشد الإنتقام قال ابن جزي : أكدوا الخبر هنا باللام [ لمرسلون ] لأنه جواب المنكرين، بخلاف الموضع الأول، فإنه إخبار مجرد
[ وما علينا إلا البلاغ المبين ] أي وليس علينا إلا أن نبلغكم رسالة الله، بلاغا واضحا جليا لا غموض فيه، فإن آمنتم فلكم السعادة، وإن كذبتم فلكم الشقاوة قال ابو حيان : وفي هذا وعيد لهم، ووصف البلاغ ب [ المبين ] لأنه الواضح بالآيات الشاهدة بصحة الإرسال، كما روي في هذه القصة من المعجزات الدالة على صدق الرسل، من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الميت
[ قالوا إنا تطيرنا بكم ] أي قال لهم أهل القرية : إنا تشاءمنا بكم وبدعوتكم القبيحة لنا إلى الإيمان، وترك عبادة الأوثان، قال المفسرون : ووجه تشاؤمهم بالرسل أنهم دعوهم إلى دين غير ما يدينون به، فإستغربوه، وإستقبحوه، ونفرت عنه طبيعتهم المعوجة، فتشاءموا بمن دعا إليه، كأنهم قالوا : أعاذنا الله مما تدعوننا إليه، ثم توعدوا الرسل بقولهم
[ لئن لم تنتهوا ] أي والله لئن لم تمتنعوا عن قولكم، ودعوتكم لنا إلى التوحيد، ورفض ديننا
[ لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم ] اي لنرجمنكم بالحجارة حتى تموتوا، ولنقتلنكم شر قتلة
[ قالوا طائركم معكم ] أي قالت الرسل لهم : ليس شؤمكم بسببنا، وإنما شؤمكم بسببكم، وبكفركم، وعصيانكم، وسوء أعمالكم
[ أئن ذكرتم ] ؟ شرط جوابه محذوف لدلالة السياق عليه أي أئن ذكرناكم ووعظناكم ودعوناكم إلى توحيد الله، تشاءمتم بنا وتوعدتمونا بالرجم والتعذيب ؟
[ بل أنتم قوم مسرفون ] أي ليس الأمر كما زعمتم، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان والإجرام، وهو توبيخ لهم مع الزجر والتقريع
[ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ] أي وجاء من أبعد أطراف المدينة رجل يعدو، يسرع في مشيه وهو " حبيب النجار " قال ابن كثير : إن أهل القرية هموا بقتل رسلهم، فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى لينصرهم من قومه، وهو - حبيب النجار - كان يعمل الحرير وهو الحباك، وكان كثير الصدقة يتصدق بنصف كسبه (( والقول بأن اسم الرجل " حبيب النجار " مروي عن ابن عباس )) وقال القرطبي : كان(حبيب) مجذوما ومنزله عند أقصى أبواب المدينة، وكان يعكف على عبادة الأصنام سبعين سنة، يدعوهم لعلهم يرحمونه ويكشفون ضره، فما استجابوا له، فلما أبصر الرسل ودعوه إلى الله قال : هل من آية ؟ قالوا : نعم نحن ندعو ربنا القادر، فيفرج عنك ما بك! فقال : إن هذا لعجيب، إني أدعو هذه الآلهة سبعين سنة لتفرج عني فلم تستطع، فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة ؟ قالوا : نعم ربنا على ما يشاء قدير، وهذه لا تنفع شيئا ولا تضر، فآمن ودعوا ربهم فكشف الله ما به، فلما هم قومه بقتل الرسل، جاءهم مسرعا وقال ما قصه القرآن
[ قال يا قوم اتبعوا المرسلين ] أي اتبعوا الرسل الكرام الداعين إلى توحيد الله، وإنما قال [ يا قوم ] تأليفا لقلوبهم، وإستمالة لها لقبول النصيحة، ثم كرر القول تأكيدا وبيانا للسبب، فقال :
[ اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ] أي اتبعوا هؤلاء الرسل الصادقين المخلصين، الذين لا يسألونكم أجرة على الإيمان، وهم على هدى وبصيرة، فيما يدعونكم إليه من توحيد الله
[ وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ] تلطف فى الإرشاد لهم، كأنه ينصح نفسه، ويختار لهم ما يختار لنفسه، وفيه نوع تقريع على ترك عبادة خالقهم، والمعنى : أي شيء يمنعني من أن أعبد خالقي الذي أبدع خلقي ؟ وإليه مرجعكم بعد الموت فيجازي كلا بعمله ؟