[ أأتخذ من دونه آلهة ] إستفهام إنكاري أي كيف أتخذ من دون الله آلهة لا تسمع ولا تنفع، ولا تغني عن عابدها شيئا ؟
[ إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ] أي هي في المهانة والحقارة، بحيث لو أراد الله أن ينزل بي شيئا من الضر والأذى، وشفعت لي لم تنفع شفاعتهم، ولم يقدروا على إنقاذي، فكيف وهي أحجار لا تسمع، ولا تنفع ولا تشفع ؟
[ ولا ينقذون ] أى ولا يقدرون على إنقاذي من عذاب الله
[ إني إذا لفي ضلال مبين ] أي إني إن عبدت غير الله واتخذت الأصنام آلهة، لفي خسران ظاهر جلي.. وبعد النصح والتذكير أعلن إسلامه، وأشهر إيمانه، فقال
[ إني آمنت بربكم فاسمعون ] أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم، فاسمعوا قولي واعملوا بنصيحتي، قال المفسرون : لما قال لهم ذلك ونصحهم وأعلن إيمانه، وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه، ولم يكن له أحد يمنع عنه أذاهم قال القرطبي : وثبوا عليه فوطئوه بأقدامهم حتى مات، وقيل : رموه بالحجارة حتى مات
[ قيل ادخل الجنة ] أي فلما مات قال الله له : ادخل الجنة مع الشهداء الأبرار، جزاة على صدق إيمانك وفوزك بالشهادة، قال ابن مسعود : إنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرجت أمعاؤه من دبره، وقال الله له [ ادخل الجنة ] فدخلها فهو يرزق فيها، قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها
[ قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربى وجعلني من المكرمين ] أي فلما دخل الجنة وعاين ما أكرمه الله بها لإيمانه وصبره، تمنى أن يعلم قومه بحاله، ليعلموا حسن مآله، أي يا ليتهم يعلمون بالسبب الذي من أجله غفر لي ربي ذنوبي، وأكرمني بدخول جنات النعيم قال ابن عباس : نصح قومه في حياته، ونصحهم بعد مماته قال ابو السعود : وإنما تمنى علم قومه بحاله، ليحملهم ذلك على إكتساب الثواب والأجر، بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان، جريا على سنن الأولياء في الترحم على الأعداء
[ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ] هذا تحقير لهم وتصغير لشأنهم، أي ما احتاج الأمر، أن نرسل عليهم ملائكة من السماء لإهلاكهم، فهم أحقر وأصغر من ذلك
[ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ] أي ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة صاح بهم جبريل، فإذا هم ميتون لا حراك بهم، قد أخمدت أنفاسهم حتى صاروا كالنار الخامدة، قال المفسرون : وفي الآية إستحقار لإهلاكهم، فإنهم أذل وأهون على الله من أن يرسل الملائكة لإهلاكهم، وقد روي أنه لما قتل " حبيب النجار " غضب الله تعالى له، فعجل لهم النقمة فأمر جبريل فصاح بهم صيحة واحدة، فماتوا عن آخرهم، فجعل طرق استئصالهم بالصيحة، ثم قال تعالى
[ يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون ] أي يا أسفا علئ هؤلاء المكذبين لرسل الله، المنكرين لآياته، ويا حسرة عليهم، ما جاءهم رسول إلا كذبوه واستهزءوا به، وهكذا عادة المجرمين في كل زمان ومكان، قال البيضاوي : إنهم أحقاء بأن يتحسروا على أنفسهم أو يتحسر عليهم، فإن الأمر لفخامته وشدته، بلغ إلى حيث إن كل من يتأتى منه التلهف، إذا نظر إلى حال استهزائهم بالرسل تحسر عليهم، وقال : يا لها من حسرة وخيبة على هؤلاء المحرومين، حيث بدلوا الإيمان بالكفر، والسعادة بالشقاوة، وفي الآية تعريض بكفار قريش حيث كذبوا سيد المرسلين. ولما مثل حال كفار مكة بحال أصحاب القرية، وبخ المشركين على عدم اعتبارهم بمن سبقهم، فقال سبحانه
[ ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون ] أي ألم يتعظ هؤلاء المشركون، بمن أهلكهم الله قبلهم من المكذبين للرسل ؟ ليعلموا أن هؤلاء المهلكين لا عودة لهم إلى الدنيا بعد هلاكهم ؟


الصفحة التالية
Icon