[ وإن كل لما جميع لدينا محضرون ] أي وإن جميع الأمم الماضية والآتية ستحضر للحساب والجزاء يوم القيامة بين يدي أحكم الحاكمين، فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها ؟ قال ابو حيان : وجاءت هذه الجملة بعد ذكر الإهلاك تبيينا إلى أن الله تعالى لا يترك المهلكين، بل بعد الهلاك جمع وحساب، وثواب وعقاب.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - التأكيد بأكثر من مؤكد لأن المخاطب منكر مثل [ إنك لمن المرسلين، إنا إليكم لمرسلون ] فقد أكد كل منهما ب " إن " و " اللام " ويسمى هذا الضرب إنكاريا.
٢ - الإستعارة التمثيلية [ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا.. ] الآية شبه حال الكفار في إمتناعهم من الهدى والإيمان، بمن غلت يده إلى عنقه بالسلاسل والأغلال، فأصبح رأسه مرفوعا لا يستطيع خفضا له ولا التفاتا، وبمن سدت الطرق في وجهه فلم يهتد لمقصوده، وذلك بطريق الإستعارة التمثيلية.
٣ - الطباق [ من بين أيديهم.. ومن خلفهم ].
٤- طباق السلب [ أأنذرتهم أم لم تنذرهم ].
٥- الجناس الناقص [ نحن نحي ] لتغير بعض الحروف.
٦- الإطناب بتكرار الفعل [ اتبعوا المرسلين. اتبعوا من لا يسألكم أجرا ].
٧- الإستفهام للتوبيخ [ أأتخذ من دونه آلهة ] ؟
٨- الحذف لدلالة السياق عليه [ قيل ادخل الجنة ] أي فلما أشهر إيمانه قتلوه فقيل له ادخل الجنة.
٩- جناس الإشتقاق بين [ تطيرنا.. وطائركم ] وبين [ أرسلنا.. والمرسلون ].
١٠- مراعاة الفواصل وهو من خصائص القرآن لما فيه من روعة البيان، وحسن الوقع على السمع، كقوله [ يستهزءون ] [ محضرون ] [ مهتدون ].
تنبيه :
من محاسن التنزيل الكريم، وبلاغته الخارقة، هو الإيجاز في القصص والأنباء، والإشارة إلى روحها وسرها، لأن القصد من القصص التذكير والإعتبار، ولهذا لم يذكر في القصة إسم البلدة، ولا إسم الشخص الذي دعاهم إلى الله، ولا إسم الرسل الكرام، لأن كل ذلك ليس هو الهدف من القصة، وقس على هذا سائر قصص القرآن
قال الله تعالى :[ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها.. ] إلى قوله [ سلام قولا من رب رحيم ] من آية (٣٣) إلى نهاية آية (٥٨).
المناسبة :
لما ذكر تعالى قصة أهل القرية، وإهلاك الله لهم بالصيحة بسبب تكذيبهم المرسلين، ذكر هنا الأدلة والبراهين على القدرة والوحدانية، في إخراج الزروع والثمار، وتعاقب الليل والنهار، وفي الشمس والقمر يجريان بقدرة الواحد القهار، ثم ذكر شبهات المشركين حول البعث، ورد عليها بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة.
اللغة :
[ آية ] علامة لأنها دالة على وجود الله، قال ابو العتاهية : فياعجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد ؟ ولله في كل تحريكة وتسكينة أبدا شاهد وفي كل شىء له آية تدل على أنه واحد
[ الأزواج ] الأصناف والأنواع
[ نسلخ ] السلخ : الكشط والنزع قال تعالى [ فانسلخ منها ] ويقال فسلخ الجزار جلد الشاة أي نزع الجلد عن اللحم
[ العرجون ] من الإنعراج وهو الإنعطاف، والعرجون : عود عذق النخلة الذي فيه عناقيد الرطب قال الجوهري : هو أصل العذق الذى يعوج وتقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسا
[ المشحون ] المملوء الموقر بالأشياء الثقيلة
[ صريخ ] مغيث
[ يخصمون ] يختصمون في أمورهم غافلين عما حولهم
[ الأجداث ] جمع جدث وهو القبر
[ ينسلون ] يسرعون في الخروج، يقال : عسل الذئب ونسل أي أسرع في المشي.
التفسير :


الصفحة التالية
Icon