[ وكل في فلك يسبحون ] أي وكل من الشمس والقمر والنجوم تدور في فلك السماء قال الحسن : الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض، غير ملصقة بشيء ولو كانت ملصقة ما جرت والغرض من الآية : بيان قدرة الله في تسيير هذا الكون بنظام دقيق، فالشمس لها مدار، والقمر له مدار، وكل كوكب من الكواكب له مدار، لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه، ولا يطغى أحدهما على الآخر - كما قال قتادة :" لكل حد وعلم لا يعدوه، ولا يقصر دونه " حتى يأتي الأجل المعلوم بخراب العالم، فيجمع الله بين الشمس والقمر كما قال تعالى [ وجمع الشمس والقمر ] فيختل نظام الكون، وتقوم القيامة، وتنتهي حياة البشرية عن سطح هذا الكوكب الأرضى (( يقول سيد قطب رحمه الله :" المسافات بين النجوم والكواكب مسافات هائلة وقد قدر الله خالق هذا الكون أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النجوم ليحفظه بمعرفته من التصادم والتصدع، وحركة هذه الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفين في الخضم الفسيح، فهي - على ضخامتها - لا تزيد على أن تكون نقطا سابحة في ذلك الفضاء المرهوب " ! ! ))
[ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ] أي وعلامة أخرى واضحة للناس على كمال قدرتنا، إننا حملنا أباءهم الأقدمين -وهم ذرية آدم -في سفينة نوح عليه السلام، التي أمره الله أن يحمل فيها من كل زوجين إثنين قال في التسهيل : وإنما خص ذريتهم بالذكر، لأنه أبلغ في الإمتنان عليهم، ولأن فيه إشارة إلى حمل أعقابهم إلى يوم القيامة
[ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ] أي وخلقنا لهم من مثل سفينة نوح، السفن العظيمة التي يركبونها ويبلغون عليها أقصى البلدان، وإنما نسب الخلق إليه لأنها بتعليم الله جل وعلا للإنسان وقال ابن عباس : هي الإبل وسائر المركوبات، فهي في البر مثل السفن في البحر (( وهناك قول آخر عن عباس أن المراد بقوله :﴿من مثله ﴾ السفن أى خلق لهم سفنا أمثال سفينة نوح يركبونها، وهو الأظهر لقوله بعده :﴿وإن نشأ نغرقهم ﴾ فالحديث عن البحر وأهواله، والسفن الجاريات فيه بقدرة الله ))
[ وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ] ولو أردنا لأغرقناهم في البحر فلا مغيث لهم
[ ولا هم ينقذون ] أي ولا أحد يستطيع أن ينقذهم من الغرق
[ إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ] أي لا ينقذهم أحد إلا نحن، لأجل رحمتنا إياهم، وتمتيعنا لهم إلى إنقضاء آجالهم.. بين تعالى أن ركوبهم السفن في البحر من الآيات العظيمة، فإن سير السفينة بما فيها من الرجال والأثقال، فوق سطح الماء آية باهرة، فقد حملتهم قدرة الله ونواميسه، التي تحكم الكون وتصرفه بحكم خواص السفن، وخواص الماء، وخواص الريح، وكلها من أمر الله وخلقه وتقديره، والسفينة في البحر الخضم كالريشة في مهب الهواء، وإلا تدركها رحمة الله فهي هالكة في لحظة من ليل أو نهار، والذين ركبوا البحار، وشاهدوا الأخطار، يدركون هول البحر المخيف، ويحسون معنى (رحمة الله ) وإنها وحدها هي المنجى لهم من بين العواصف والتيارات، في هذا الخضم الهائل الذي تمسكه يد الرحمة ويعرفون معنى قوله تعالى [ إلا رحمة منا ] فسبحان الله القدير الرحيم ! !


الصفحة التالية
Icon