[ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ] لما ذكرهم تعالى بدلائل قدرته، وآثار رحمته، أخبر هنا عن تعاميهم عن الحق، وإعراضهم عن الهدى والإيمان، مع كثرة الآيات الواضحات، والشواهد الباهرات، والمعنى : وإذا قيل للمشركين احذروا سخط الله وغضبه، واعتبروا بما حل بالأمم السابقين قبلكم من العذاب بسبب تكذيبهم الرسل، واحذروا ما وراءكم من عذاب الآخرة لكي ترحموا، وجواب الشرط محذوف، تقديره : أعرضوا واستكبروا، ودل عليه قوله تعالى [ إلا كانوا عنها معرضين ] قال القرطبي : والجواب محذوف والتقدير : إذا قيل لهم ذلك أعرضوا، ودليله الآية التي بعدها [ وما تأتيهم من آية.. ] فاكتفى بهذا عن ذلك
[ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ] أي وما تأتي هؤلاء المشركين علامة من العلامات الواضحة، الدالة على صدق الرسول - كالمعجزات الباهرة التي أيده الله بها -إلا أعرضوا عنها على وجه التكذيب والإستهزاء قال ابو السعود : وإضافة الآيات إلى إسم الرب جل وعلا لتفخيم شأنها، المستتبع لتهويل ما اجترءوا عليه في حقها، والمراد بالآيات إما الآيات التنزيلية، التي من جملتها الآيات الناطقة ببدائع صنع الله وسوابغ آلائه، أو الآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات، التي من جملتها ما ذكر من شئونه الشاهدة بوحدانيته تعالى، وتفرده بالألوهية
[ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ] أي وإذا قيل لهؤلاء الكفار بطريق النصيحة : أنفقوا بعض ما أعطاكم الله من فضله على الفقراء والمساكين
[ قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ] أي قال الكفار للمؤمنين تهكما بهم : أننفق أموالنا على هؤلاء المساكين الذين أفقرهم الله ؟
[ إن أنتم إلا في ضلال مبين ] أي ما أنتم أيها المؤمنون إلا في ضلال ظاهر واضح، حيث تأمروننا أن ننفق أموالنا على من أفقرهم الله قال ابن عباس : كان بمكة زنادقة، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا : لا والله لا نفعل، أيفقره الله ونطعمه نحن ؟ وغرضهم الرد على المؤمنين، فكأنهم يقولون : لو كان الأمر كما تزعمون إن الله رازق، لأطعم هؤلاء الفقراء، فما بالكم تطلبون إطعامهم منا ؟ وما علم هؤلاء السفهاء أن خزائن الأرزاق بيد الخلاق، وأنه تعالى أغنى بعض الخلق، وأفقر بعض الخلق إبتلاء، لينظر كيف عطف الغني، وكيف صبر الفقير، فقد منع الدنيا عن الفقير لا بخلا، وأمر الغنى بالإنفاق عليه لا حاجة إلى ماله، ولكن للإبتلاء، والله يفعل ما يشاء، لا إعتراض لأحد عليه في مشيئته، ولا في حكمه [ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ] ثم أخبر عن إنكار المشركين للآخرة، وإستبعادهم لقيام الساعة فقال
[ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ] أي متى يوم القيامة الذي تتوعدوننا به ؟ ومتى هذا العذاب الذي تخوفوننا به، إن كنتم صادقين في دعواكم، أن هناك بعثا ونشورا وحسابا وعذابا ؟ قال تعالى ردا عليهم
[ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم ] أي ما ينتظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم مفاجأة من حيث لا يشعرون
[ وهم يخصمون ] أي وهم يتخاصمون في معاملاتهم وأسواقهم، فلا يشعرون إلا بالصيحة قد أخذتهم، فيموتون في أماكنهم قال ابن كثير : وهذه - والله اعلم - نفخة الفزع، ينفخ اسرافيل في الصور، والناس في أسواقهم ومعايشهم يختصمون ويتشاجرون على عادتهم، فبينما هم كذلك إذ أمر الله اسرافيل فنفخ في الصور، نفخة يطولها ويمدها، فلا يبقى أحد على وجه الأرض، إلا حنى عنقه ليسمع الصوت من قبل السماء فذلك قوله تعالى


الصفحة التالية
Icon