[ فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ] أي فلا يستطيع بعضهم أن يوصي بعضا بأمر من الأمور، ولا يستطيعون أن يرجعوا إلى أهلهم ومنازلهم، لأن الأمر أسرع من ذلك، وفي الحديث :(لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه - أي يصلحه بالطين - فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها) ثم تكون هناك النفخة الثانية وهي " نفخة الصعق " التي يموت بها الأحياء كلهم ما عدا الحي القيوم، ثم تكون النفخة الثالثة هي نفخة (البعث والنشور) التى يخرج الناس بها من القبور، وهي التي أشارت إليها الآية الكريمة
[ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ] أي ونفخ في الصور فإذا هؤلاء الأموات يخرجون من قبورهم يسرعون المشي، قال الطبرى :[ ينسلون ] يخرجون سراعا، والنسلان : الإسراع في المشى
[ قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ] ؟ أى يقولون يا هلاكنا من الذي أخرجنا من قبورنا التي كنا فيها ؟ قال ابن كثير : وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم، لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد، فإذا قالوا ذلك أجابتهم الملائكة أو المؤمنون
[ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ] أي هذا الذي وعدكم الله به من البعث بعد الموت والحساب والجزاء، وصدق رسله الكرام فيما أخبرونا به عن الله
[ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ] أي ما كان أمر بعثهم إلا صيحة واحدة، يصيح بهم فيها اسرافيل فإذا هم جميع عندنا حاضرون قال الصاوى : وهذه الصيحة هي قول اسرافيل : أيتها العظام النخرة، والأوصال المتقطعة، والأجزاء المتفرقة، والشعور المتمزقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، ثم ينفخ في الصور فإذا هم مجموعون في موقف الحساب
[ فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ] أي ففي هذا اليوم - يوم القيامة - لا تظلم نفس شيئا، سواء كانت هذه النفس برة أو فاجرة، ولا يحمل الإنسان وزر غيره، وإنما يجازى كل بعمله، قال ابو السعود : وهذه حكاية لما سيقال لهم في الآخرة، حين يرون العذاب المعد لهم تحقيقا للحق، وتقريعا لهم.. ولما أخبر عن مآل المجرمين، أخبر عن حال الأبرار المتقين، فقال سبحانه
[ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ] أي إن أصحاب الجنة في ذلك اليوم - يوم الجزاء - مشغولون بما هم فيه من اللذات والنعيم عن التفكير بأهل النار، يتفكهون ويتلذذون بالحور العين، وبالأكل والشرب والسماع للأوتار قال ابو حيان : والظاهر أن الشغل هو النعيم، الذي قد شغلهم عن كل ما يخطر بالبال وقال ابن عباس : شغلوا بإفتضاض الأبكار، وسماع الأوتار، عن أهاليهم من أهل النار، لا يذكرونهم لئلا يتنغصوا
[ هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ] أي هم وزوجاتهم في ظلال الجنان الوارفة، حيث لا شمس فيها ولا زمهرير، متكئون على السرر المزينة بالثياب والستور
[ لهم فيها فاكهة ] أي لهم في الجنة فاكهة كثيرة من كل أنواع الفواكه
[ ولهم ما يدعون ] أي ولهم فيها ما يتمنون ويشتهون كقوله تعالى [ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ]
[ سلام قولا من رب رحيم ] أي لهم سلام كريم، من ربهم الرحيم، وفي الحديث (بينما أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع عليهم نور، فرفعوا رءوسهم فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة، فذلك قوله تعالى [ سلام قولا من رب رحيم ] قال : فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم، ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم ).
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :


الصفحة التالية
Icon