[ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ] أي تميزوا وانفصلوا يا معشر الكفرة المجرمين عن عبادي المؤمنين، انفردوا عنهم وكونوا جانبا قال القرطبي : يقال لهم هذا عند الوقوف للسؤال، وحين يؤمر بأهل الجنة إلى الجنة
[ ألم أعهد إليكم يا بني آدم ] الإستفهام للتوبيخ والتقريع، وهو توبيخ للكفرة المجرمين أي ألم أوصكم وآمركم يا بني آدم على ألسنة رسلي
[ أن لا تعبدوا الشيطان ] أي ألا تطيعوا الشيطان، فيما دعاكم إليه من معصيتي ؟
[ إنه لكم عدو مبين ] تعليل للنهى أي لأنه عدو لكم ظاهر العداوة، فكيف يطيع الإنسان عدوه ؟
[ وأن اعبدوني ] أي وأمرتكم بأن تعبدوني وحدي، بتوحيدي وطاعتي، وإمتثال أمري
[ هذا صراط مستقيم ] أي هذا هو الدين الصحيح، والطريق الحق المستقيم
[ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ] تأكيد للتعليل أي ولقد أضل الشيطان خلقا منكم كثيرين، وأغواهم عن سلوك طريق الحق قال الطبري : أي صد الشيطان منكم خلقا كثيرا عن طاعتي حتى عبدوه
[ أفلم تكونوا تعقلون ] أي أفما كان لكم عقل يردعكم عن طاعة الشيطان ومخالفة أمر ربكم ؟ وهو توبيخ آخر للكفرة الفجار.. ثم بشرهم بما ينتظرهم من العذاب فقال سبحانه
[ هذه جهنم التي كنتم توعدون ] أي هذه نار جهنم التي أوعدكم بها الرسل وكذبتم بها قال الصاوى : هذا خطاب لهم وهم على شفير جهنم، والمقصود منه زيادة التبكيت والتقريع
[ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ] أي ذوقوا حرارتها وقاسوا أنواع عذابها اليوم، بسبب كفركم في الدنيا، وهو أمر إهانة وتحقير مثل قوله [ ذق إنك أنت العزيز الكريم ] ثم أخبر تعالى عن فضيحتهم يوم القيامة على رءوس الأشهاد، فقال سبحانه
[ اليوم نختم على أفواههم ] أي في هذا اليوم - يوم القيامة - نختم على أفواه الكفار، ختما يمنعها عن الكلام
[ وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ] أي تنطق عليهم جوارحهم أيديهم وأرجلهم بأعمالهم القبيحة، روى ابن جرير الطبري عن أبي موسى الأشعري أنه قال (يدعى الكافر والمنافق يوم القيامة للحساب، فيعرض عليه ربه عمله فيجحده ويقول : أي رب وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم أعمل ! فيقول الملك : أما عملت كذا فى يوم كذا، في مكان كذا، فيقول : لا وعزتك أي رب ما عملته، فإذا فعل ذلك ختم على فيه، وتكلمت أعضاؤه ثم تلا [ اليوم نختم على أفواههم ] ) وفي الحديث (يقول العبد يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول العبد فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني، فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، ثم يختم على فيه ويقال لجوارحه : انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل )
[ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ] أي لو شئنا لأعميناهم فابتدروا طريقهم ذاهبين كعادتهم، فكيف يبصرون حينئذ ؟ قال ابن عباس : المعنى لو نشاء لأعميناهم عن الهدى، فلا يهتدون أبدا إلى طريق الحق، وهو تهديد لقريش
[ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم ] أي لو نشاء لمسخناهم مسخا يقعدهم في مكانهم
[ فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ] أي إذا مسخوا في مكانهم لم يقدروا أن يذهبوا ولا أن يرجعوا، وهو تهديد آخر للكفرة المجرمين، ثم ذكر تعالى دلائل قدرته على مسخ الكفار بتطاول الأعمار فقال
[ ومن نعمره ننكسه في الخلق ] أي ومن نطل عمره، نقلبه في أطوار منتكسا في الخلق، فيصير كالطفل لا يعلم شيئا قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، فطول العمر يصير الشباب هرما، والقوة ضعفا، والزيادة نقصا


الصفحة التالية
Icon