[ أفلا يعقلون ] ؟ أى أفلا يعقلون أن من قدر على ذلك، قادر على إعمائهم أو مسخهم ؟ قال ابن جزي : والقصد من ذلك الإستدلال على قدرته تعالى على مسخ الكفار، كما قدر على تنكيس الإنسان إذا هرم
[ وما علمناه الشعر وما ينبغي له ] أي وما علمنا محمدا الشعر، ولا يصح ولا يليق به أن يكون شاعرا قال القرطبي : هذا رد على الكفار في قولهم إنه شاعر، وإن ما اتى به من قبيل الشعر، فالرسول (ص) ليس بشاعر، والقرآن ليس بشعر، لأن الشعر كلام مزخرف موزون، مبني على خيالات وأوهام واهية، حتى قيل " أعذبه أكذبه " فأين ذلك من القرآن العزيز، الذي تنزه عن مماثلة كلام البشر! ! وقد أكثر الناس في ذم الشعر ومدحه، وإنما الإنصاف ما قاله الشافعي رحمه الله " الشعر كلام، والكلام منه حسن، ومنه قبيح "
[ إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ] أي ما هذا الذي يتلوه محمد(ص) إلا عظة وتذكير من الله جل وعلا لعباده، وقرآن واضح ساطع، لا يلتبس به الشعر بحال من الأحوال
[ لينذر من كان حيا ] أي لينذر بهذا القرآن من كان حي القلب، مستنير البصيرة، وهم المؤمنون لأنهم المنتفعون به
[ ويحق القول على الكافرين ] أي وتجب كلمة العذاب على الكافرين لأنهم كالأموات لا يعقلون ما يخاطبون به قال البيضاوي : وجعلهم في مقابلة من كان حيا، إشعار بأنهم لكفرهم، وسقوط حجتهم، وعدم تأملهم، أموات في الحقيقة.. ثم ذكرهم تعالى بنعمه، وأعاد ذكر دلائل القدرة والوحدانية، ليستدلوا على وجوده جل وعلا من آثاره، فقال سبحانه
[ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ] الهمزة للإنكار والتعجيب أي أولم ينظروا نظر اعتبار، ويتفكروا فيما أبدعته أيدينا - من غير واسطة، وبلا شريك ولا معين - مما خلقناه لهم ولأجلهم من الأنعام، وهي (الإبل والبقر والغنم )، فيستدلوا بذلك على وحدانيتنا وكمال قدرتنا ؟
[ فهم لها مالكون ] أي فهم متصرفون فيها كيف يشاءون تصرف المالك بماله
[ وذللناها لهم ] قال ابن كثير : المعنى جعلهم يقهرونها، وهى ذليلة لهم لا تمتنع منهم، بل لو جاء صغير إلى بعير لأناخه، ولو شاء لأقامه وساقه، وهو ذليل منقاد معه، وكذا لو كان القطار مائة بعير، لسار الجميع بسير الصغير، فسبحان من سخر هذا لعباده! !
[ فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ] أي فمن هذه الأنعام ما يركبونه فى الأسفار، ويحملون عليه الأثقال، كالإبل التى هي سفن البر، ومنها ما يأكلون لحمه كالبقر والغنم
[ ولهم فيها منافع ومشارب ] أي ولهم فيها منافع عديدة - غير الأكل والركوب - كالجلود والأصواف والأوبار، ولهم فيها مشارب أيضا يشربون من ألبانها [ من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ]
[ أفلا يشكرون ] أي أفلا يشكرون ربهم على هذه النعم الجليلة ؟ والغرض من الآيات تعديد النعم، لإقامة الحجة عليهم.. ثم وبخهم تعالى وعنفهم في عبادة ما لا يسمع ولا ينفع، من الأوثان والأصنام، وذلك نهاية الغي والضلال، فقال سبحانه
[ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ] أي وعبد المشركون آلهة من الأحجار، رجاء أن ينصروا بها، وهي صماء بكماء، لا تسمع الدعاء ولا تستجيب للنداء
[ لا يستطيعون نصرهم ] أي لا تستطيع هذه الآلهة المزعومة نصرهم بحال من الأحوال، لا بشفاعة، ولا بنصرة، ولا إعانة


الصفحة التالية
Icon