[ وهم لهم جند محضرون ] أي وهؤلاء المشركون كالجند والخدم لأصنامهم في التعصب لهم، والذب عنهم، وفدائهم بالروح والمال، مع أنهم لا ينفعونهم أي نفع قال قتادة : المشركون يغضبون للآلهة في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيرا، ولا تدفع عنهم شرا، إنما هي أصنام والمشركون كأنهم خدام وقال القرطبي : المعنى إنهم قد رأوا هذه الآيات من قدرتنا، ثم اتخذوا من دوننا آلهة لا قدرة لها على فعل شيء أصلا، والكفار يمنعون منهم ويدفعون عنهم، فهم لهم بمنزلة الجند، والأصنام لا تستطيع أن تنصرهم.
[ فلا يحزنك قولهم ] أي لا تحزن يا أيها الرسول على تكذيبهم لك، وإتهامهم بأنك شاعر أو ساحر، وهذه تسلية للنبي عليه السلام، وهنا تم الكلام، ثم قال تعالى
[ إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ] أي نحن أعلم بما يخفونه في صدورهم، وما يظهرونه من أقوالهم وأفعالهم، فنجازيهم عليه، وكفى بربك أنه على كل شيء شهيد.. ثم أقام الدليل القاطع، والبرهان الساطع، على البعث والنشور، فقال سبحانه
[ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ] إستفهام إنكاري للتوبيخ والتقريع، أي أولم ينظر هذا الإنسان الكافر نظر إعتبار ؟ ويتفكر في قدرة الله، فيعلم إنا خلقناه من شيء مهين حقير ؟ هو النطفة " المني " الخارج من مخرج النجاسة ؟
[ فإذا هو خصيم مبين ] أي فإذا هو شديد الخصومة والجدال بالباطل، يخاصم ربه وينكر قدرته، ويكذب بالبعث والنشور، أفليس الإله الذي قدر على خلق الإنسان من نطفة ؟ قادر على أن يخلقه مرة أخرى عند البعث ؟ قال المفسرون : نزلت في " أبي بن خلف " جاء بعظم رميم، وفتته في وجه النبي الكريم وقال ساخرا : أتزعم يا محمد أن الله يحيينا بعد أن نصبح رفاتا مثل هذا ؟ فقال (ص) له : نعم يبعثك ويدخلك النار (( قال في البحر : وقيل إنها نزلت في " العاص بن وائل " والأصح انها في " أبي بن خلف " )).
[ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ] أي وضرب لنا هذا الكافر المثل بالعظم الرميم، مستبعدا على الله إعادة خلق الإنسان بعد موته وفنائه، ونسي أنا أنشأناه من نطفة ميتة، وركبنا فيه الحياة، نسي خلقه العجيب وبدأه الغريب، وجوابه من نفسه حاضر
[ قال من يحي العظام وهي رميم ] أي وقال هذا الكافر : من يحي العظام وهي بالية أشد البلى، متفتتة متلاشية ؟ قال الصاوي : أي أورد كلاما عجيبا في الغرابة هو كالمثل، حيث قاس قدرتنا على قدرة الخلق
[ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ] أي قل يا محمد تخريسا وتبكيتا لهذا الكافر وأمثاله : يخلقها ويحييها الذي أوجدها من العدم، وأبدع خلقها أول مرة من غير شيء، فالذي قدر على البداءة، قادر على الإعادة!!
[ وهو بكل خلق عليم ] أي يعلم كيف يخلق ويبدع، فلا يصعب عليه بعث الأجساد بعد الفناء
[ الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ] أي الذي جعل لكم بقدرته من الشجر الأخضر، نارا تحرق الشجر، لا يمتنع عليه فعل ما أراد، ولا يعجزه إحياء العظام البالية، وإعادتها خلقا جديدا وقال أبو حيان : ذكر تعالى لهم ما هو أغرب من خلق الإنسان من النطفة، وهو إبراز الشيء من ضده، وذلك أبدع شيء، وهو اقتداح النار من الشيء الأخضر، ألا ترى الماء يطفىء النار ومع ذلك خرجت مما هو مشتمل على الماء، والأعراب توري النار من المرخ والعفار، وفي أمثالهم (في كل شيء نار، واستمجد المرخ والعفار)!! ولقد أحسن القائل : جمع النقيضين من أسرار قدرته هذا السحاب به ماء به نار
[ فإذا أنتم منه توقدون ] أي فإذا أنتم تقدحون النار من هذا الشجر الأخضر
[ أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ] ؟ أي أوليس الذي خلق السموات والأرض مع كبر جرمهما، وعظم شأنهما ؟ قادر على ان يخلق أجساد بني آدم بعد فنائها ؟


الصفحة التالية
Icon