جار ومجرور متعلقان بسيروا، وثم حرف عطف للترتيب مع التراخي، وانظروا فعل أمر وفاعل (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) الجملة في محل نصب مفعول انظروا، وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر مقدم لكان، وعاقبة اسمها، ولم تؤنث كان لأن العاقبة مؤنث مجازي، وقد علقت النظر عن العمل لفظا، والمكذبين مضاف إليه.
البلاغة :
١- المجاز المرسل في قوله :« عاقبة المكذبين »، والعلاقة هي المصير والمآل الذي ينتهي اليه مصير المكذبين ومآلهم.
٢- في قوله :« و لقد استهزئ » الى قوله :« ما كانوا به يستهزئون » فن يسمى رد الاعجاز على الصدور، وهو عبارة عن كل كلام بين صدره وعجزه رابطة لفظية غالبا، أو معنوية نادرا، ما تحصل بها الملاءمة والتلاحم بين قسمي كل كلام، وهو ثلاثة أقسام :
١- ما وافق آخر كلمة في الكلام آخر كلمة في صدره أو كانت مجانسة لها، كقوله تعالى في سورة « النساء » :« أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى باللّه شهيدا ».
٢- ما وافق آخر كلمة من الكلام أول كلمة منه، كقوله تعالى في سورة « آل عمران » :« وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهّاب ».
٣- ما وافق آخر كلمة من الكلام بعض كلمات صدره، حيث كانت كالآية التي نحن بصددها. وهذه الروابط كلها لفظية، وقد
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٧٣ تكون معنوية كقوله تعالى :« يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم ».
نماذج شعرية :
و من أمثلة هذا الفن في الشعر قول البحتري :
ضرائب أبدعتها في السماح فلسنا نرى لك فيها ضريبا
و قول أبي تمام :
و لم يحفظ مضاع المجد شي ء من الأشياء كالمال المضاع
و أبيات الحماسة المشهورة الرائعة :
تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار
شهور ينقضين وما شعرنا بأنصاف لهنّ ولا سرار
و تظرّف الثعالبي فجمع بين هذا الفن وفن التجنيس، فقال- ويكاد يكون طريفا لولا مسحة التكلف- :
و إذا البلابل أفصحت بلغاتها فانف البلابل باحتساء بلابل