و قد تقدمت الاشارة إليه في « آل عمران »، والإشكال هنا مجي ء « مخرج » على خلاف ما جاء عليه أمثاله، ولم يأت كما أتى في آل عمران :« و تخرج »، ولا كما جاء في « يونس » وكما جاء في « الروم ». وعلى هذا يرد السؤال التالي : ما النكتة التي أوجبت مجي ء هذا المكان على ما جاء عليه مخالفا لأمثاله؟ والجواب الذي يتضح به هذا الإشكال أن يقال : إنما جاء توخيا لحسن الجوار في النظم، لأنه قال : فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. والآية إنما سيقت للتمدّح بالقدرة المطلقة التي هي صفة ذاتية للّه تعالى، فكان التمدّح بها مع الإتيان بصيغة اسم الفاعل أبلغ من الإتيان بصيغة الفعل، لما يدل عليه اسم الفاعل من المضيّ المطلق الدالّ على القدم، فإن مجي ء ذلك على ما جاء عليه يستفاد منه قدم القدرة، ويلزم من
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ١٧٨
قدمها قدم الموصوف بها. ولما علم سبحانه أن تمدّحه بمجرد فلق الحب والنوى في بطن الأرض غير تام، لأنه لا ينتفع به حتى يخرج نباته إلى ظاهر الأرض، ويشاهد الناس قدرة مخرجه ومخترعه، وصار قوله :
« و مخرج الميت من الحي » مكملا، وأتى في هذه الجملة باسم الفاعل، وهذا من المعاجز التي تتقطّع دونها الأعناق.
٣- فن الاستعارة التمثيلية :
و ذلك بقوله :« فالق الإصباح »، وخلاصتها أنه تعالى شبّه انشقاق عمود الفجر وانصداع الفجر بفلق الإصباح. وقد رمق الشعراء سماء هذه البلاغة، فقال أبو تمام وتلاعب بهذا المعنى :
و أزرق الفجر يبدو قبل أبيضه وأول الغيث قطر ثم ينسكب
يقول : إن أوائل الأمور تبدو قليلة، ثم تكثر، فينبغي الحرص من أول الأمر قبل بلوغ غايته. وأتبعه ببيت آية في الحسن فقال :
و مثل ذلك وجد العاشقين هوى بالمزح يبدو وبالإدمان ينتهب
و من النقاد من ينسب هذين البيتين إلى ابن الرومي، يريد أن الوجد في أوله هوى وفي آخره نار.
٤- تشبيه الليل بالسكن :


الصفحة التالية
Icon