و ما يدريك أنه لا يكافئني، تريد : وأنا أعلم منه المكافأة، فكان مقتضى الإنكار على المؤمنين الذين أحسنوا الظن بالمعاندين فاعتقدوا أنهم يؤمنون عند نزول الآية المقترحة أن يقال : وما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون، بإسقاط « لا »، فلما جاءت الآية على هذا الشكل، اختلف العلماء، فحمل بعضهم « لا » على أنها زائدة، وبعضهم أوّل « أنّ » ب « لعل » من قول العرب : أئت السوق أنك تشتري لحما، واستشهدوا بقول امرئ القيس :
عوجا على الطّلل المحيل لأننا نبكي الديار كما بلى ابن حزام
أي : لعلنا، وبعضهم جعل الكلام جواب قسم محذوف، وقد تفتح همزة أن بعد القسم، فقال : التقدير : واللّه أنها إذا جاءت لا يؤمنون. والأصح أن الآية باقية على ظاهرها، وأن هذا كله مجرد تكلّف، ولإيضاح ذلك يقال : إذا حرمت زيدا لعلمك بعدم مكافأته فأشير عليك بالإكرام، بناء على أن المشير يظن المكافأة، فلك معه حالتان : حالة تنكر عليه ادعاء العلم بما يعلم خلافه، وحالة تعذره في عدم العلم بما أحطت به علما، فان أنكرت عليه قلت : وما يدريك أنه
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ١٩٨
بكافئ، وإن عذرته في عدم علمه بأنه لا يكافى ء قلت : وما يدريك أنه لا يكافى ء؟ يعني ومن أين تعلم أنت ما علمته أنا من عدم مكافأته، وأنت لم تخبر أمره خبري، ولم تسبر غوره سبري؟ فكذلك الآية، إنما ورد فيها الكلام إقامة عذر للمؤمنين في عدم علمهم بالمغيب في علم اللّه تعالى، وهو عدم إيمان هؤلاء، فاستقام دخول « لا » وتبيّن أن سبب الاضطراب التباس الإنكار بإقامة الأعذار، وهذا من أسمى دلائل الإعجاز.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١١٠]
وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)
اللغة :
(يَعْمَهُونَ) : مضارع « عمه » في طغيانه عمها، من باب تعب :


الصفحة التالية
Icon