و موضع الاستشهاد قوله :« تألّفتهم من بعد ما شردت بهم » فتثقيل تألّفتهم وشردت بهم أمر يستوجبه المقام، لأنه مقام الإصلاح وإعادة المياه الى مجاريها بين أبناء العمومة والخئولة. وحسبنا ما تقدم الآن. وسيرد له ما يدعمه ويظهر مكان حسنه في مكان آخر.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢)
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٣٢٢
اللغة :
(وَقاسَمَهُما) : أقسم لهما، والمفاعلة هنا ليست على بابها بل للمبالغة، ويجوز أن تبقى على باب المفاعلة كما قرر الزمخشري، كأنه قال أقسم لكما أني لمن الناصحين، وقالا له : أتقسم باللّه أنك لمن الناصحين؟ فجعل ذلك مقاسمة بينهم.
(فَدَلَّاهُما) التدلية والإدلاء : إرسال الشي ء من الأعلى الى الأسفل. وقال الأزهري : وأصله أن الرجل العطشان يتدلى في البئر ليأخذ الماء، فلا يجد فيها ماء، فوضعت التدلية موضع الطمع فيما لا مطمع فيه، ولا فائدة منه. قال الفرزدق :
هما دلّتاني من ثمانين قامة كما انقض باز أقتم الريش كاسره
(بِغُرُورٍ) الغرور : إظهار النصح وإبطان الغش. وغرّه غرّا وغرّة وغرورا : أي خدعه وأطمعه بالباطل. وفي أمثالهم :« أفرّ من ظبي مقمر » لأنه يخرج في الليلة المقمرة، يرى أنه النهار، فتأكله
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٣٢٣
السباع، ولم يزل يطلب غرّته حتى صادفها، وأصاب منه غرّة فبطش به. وما غرّك به؟ كيف اجترأت عليه. و « ما غرّك بربك الكريم » ؟


الصفحة التالية
Icon