أن أجيبوا بهذا الجواب فأجيب بقوله تولوا، وأعينهم مبتدأ والواو للحال وجملة تفيض خبر ومن الدمع تمييز أي تفيض دمعا وهو أبلغ من يفيض دمعها لأن العين جعلت كأنها كلها دمع فائض وقد تقدم القول في هذه الجملة في المائدة مع بسط لم يسبق إليه فجدد به عهدا، وحزنا مفعول لأجله أو حال وأن لا يجدوا أن وما في حيزها مفعول لأجله والعامل فيه حزنا ويجوز أن نعرب حزنا مفعولا مطلقا فيكون العامل في أن لا يجدوا تفيض وما مفعول يجدوا وجملة ينفقون صلة.
و قد اعترض أبو البقاء على إعراب الزمخشري من الدمع تمييزا فقال :« لا يجوز ذلك لأن التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بمن وأيضا فإنه معرفة ولا يجوز إلا على رأي الكوفيين الذين يجيزون مجي ء التمييز معرفة.
البلاغة :
فن التلميح أو التمليح :
في قوله :« ما على المحسنين من سبيل »
فن من فنون البديع يسمى « التلميح » وهو أن يشار في فحوى الكلام الى مثل سائر أو شعر نادر أو قصة مشهورة أو ما يجري مجرى المثل، ومنه قول يسار ابن عدي حين بلغة قتل أخيه وهو يشرب الخمر :
اليوم خمر ويبدو في غد خبر والدهر من بين إنعام وإيئاس
و يسميه قوم « التمليح » بتقديم الميم كأن الشاعر أتى في بيته
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ١٥٣
أو الناثر في فقرته بنكتة حسنة زادت الكلام ملاحة، كقول ابن المعتز :
أ ترى الجيرة الذين تداعوا عند سير الحبيب وقت الزوال
علموا أنني مقيم وقلبي راحل فيهم أمام الجمال
مثل صاع العزيز في أرحل القنو م ولا يعلمون ما في الرحال
و هذا التمليح فيه إشارة الى قصة يوسف عليه السلام حين جعل الصاع في رحل أخيه وإخوته لم يشعروا بذلك، ومن لطائف التلميح قول أبي فراس :
فلا خير في رد الأذى بمذلة كما رده يوما بسوءته عمرو


الصفحة التالية
Icon