و هذا التمليح أو التلميح فيه إشارة الى قصة عمرو بن العاص مع الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه في يوم صفين حين حمل عليه الإمام، ورأى عمرو أن لا مخلص منه فلم يسعه غير كشف العورة.
و من لطائف التلميح قصة الهذلي مع منصور بني العباس فإنه حكى أن المنصور وعد الهذلي بجائزة ونسي، فحجا معا ومرا في المدينة النبوية ببيت عاتكة، فقال الهذلي : يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة التي يقول فيها الأحوص :
يا بيت عاتكة الذي أتعزل حذر العدا وبه الفؤاد موكل
فأنكر عليه أمير المؤمنين لأنه تكلم من غير أن يسأل، فلما رجع الخليفة نظر في القصيدة إلى آخرها ليعلم ما أراد الهذلي بإنشاد ذلك البيت من غير استدعاء فإذا فيها :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ١٥٤
و أراك تفعل ما تقول وبعضهم مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فعلم أنه أشار الى هذا البيت بتلميحه الغريب، فتذكر ما وعده به وأنجزه له واعتذر إليه من النسيان.
و مثله ما حكي أن أبا العلاء المعري كان يتعصب للمتنبي فحضر يوما مجلس الشريف المرتضى فجرى ذكر أبي الطيب فهضم المرتضى من جانبه فقال له أبو العلاء : لو لم يكن له من الشعر إلا قوله :
« لك يا منازل في القلوب منازل » لكفاه، فغضب المرتضى وأمر به فسحب وأخرج، وبعد إخراجه قال المرتضى :
هل تدرون ما عنى بذكر البيت؟ فقالوا : لا واللّه، فقال : عنى به قول أبي الطيب في قصيدته :
و إذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
و من هذا القبيل قصة السّرّي الرفاء مع سيف الدولة بسبب المتنبي أيضا، فإن السري الرفاء كان من مداح سيف الدولة، وجرى يوما في مجلسه ذكر أبي الطيب فبالغ سيف الدولة في الثناء عليه فقال له السري : أشتهي أن الأمير ينتخب لي قصيدة من غرر قصائده لأعارضها له ويتحقق بذلك أنه أركب المتنبي في غير سرجه، فقال له سيف الدولة على الفور : عارض لنا قصيدته القافية التي مطلعها :


الصفحة التالية
Icon