أما الزمخشري فنظمها في سلك قوله تعالى « ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر » وقوله « و استغفر لذنبك » وقال : وهو بعث للمؤمنين على التوبة وانه ما من مؤمن إلا وهو محتاج الى التوبة والاستغفار حتى النبي ومن معه من المهاجرين والأنصار، وهذا ما جرينا عليه نحن باعتباره منطقيا ومقيسا.
أما الجلال وشارحو تفسيره فقد ذهبوا الى معنى الديمومة في التوبة أي أدام توبته عليهم وقال الشارحون في تعليقهم على ما ذهب اليه الجلال :« و هذا جواب عما يقال إن النبي معصوم من الذنب وإن المهاجرين والأنصار لم يقترفوا ذنبا في هذه القضية فبين أن المراد بالتوبة في حق الجميع دوامها لا أصلها » وهذا الرأي بادي الاضطراب.
أما الخازن فقد ارتأى رأيا كدنا نؤثره حتى على الرأي الأول وهو قوله « و معنى توبته على النبي عدم مؤاخذته بإذنه للمؤمنين في التخلف عنه في غزوة تبوك وهو كقوله :« عفا اللّه عنك لم أذنت لهم » فهو من باب ترك الأفضل لا أنه ذنب يوجب عقابا ».
و هناك رأي لا يقل وجاهة عما تقدم عبر عنه أصحاب المعاني بقولهم : وهو كلام للتبرك فهو كقوله تعالى :« فأن للّه خمسه » ومعنى هذا أن ذكر النبي بالتوبة عليه تشريف للمهاجرين والأنصار في ضم
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ١٨٩
توبتهم الى توبة النبي صلى اللّه عليه وسلم كما ضم اسم الرسول الى اسم اللّه في قوله « فأن للّه خمسه وللرسول ».
ساعة العسرة :
المراد وقتها لا الساعة الفلكية فالساعة مستعملة في معنى الزمن المطلق كما استعملت الغداة والعشية واليوم كقول زفر بن الحارث الكلابي :
و كنا حسبنا كل بيضاء شحمة عشية قارعنا جذام وحميرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
فالمراد مطلق الوقت لا العشية على حقيقتها وكقول حاتم الطائي :
إذا جاء يوما وارثي يبتغي الغنى يجد جمع كف غير ملأى ولا صفر
يجد فرسا مثل العنان وصارما حساما إذا ما هزّ لم يرض بالهبر


الصفحة التالية
Icon