و نبدأ بالفن الذي يتناول الآية عموما وقد عرفوه بأن يكون اللفظ مساويا للمعنى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه وهو من أعظم أبواب البلاغة بل هو البلاغة عينها كما وصف بعض الوصاف بعض البلغاء فقال : كانت أوصافه قوالب لمعانيه وكما قال العتابي :« الألفاظ أجساد والمعاني أرواح » وهو ميزة كل لغة، قال إميل فاكيه في وصف فيكتور هيغو « هيغو من الخالدين لأن الذي يخلد هو جمال الأسلوب » وجمال الأسلوب هو الملاءمة بين اللفظ والمعنى والآية التي نحن بصددها خير مثال لهذه المساواة فإنه سبحانه أراد اقتصاص من هذه القصة بأوجز لفظ وأبلغه فجاء بها مرتبة الألفاظ والجمل على حسب ما وقع في صور لا تفصل عن معانيها لا وتقصر عنها فإن قيل : لفظة « القوم » زائدة تمنع الآية من أن توصف بالمساواة لأنها إذا طرحت استقلّ الكلام بدونها بحيث يقال :« و قيل بعدا للظالمين » قلت :
لا يستغني الكلام عنها وذلك انه لما قال في أول القصة « و كلما مر عليه
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ٣٦١
ملأ من قومه سخروا منه » وقال بعد ذلك « و لا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون » جاءت لفظة القوم في آخر القصة، ووصفهم بالظلم ليرتد عجز الكلام على صدره.
٢- رد العجز على الصدر :
و هو الفن الثاني من فنون هذه الآية، وليعلم أن القوم الذين هلكوا بالطوفان هم الذين كانوا يسخرون من نوح فهم مستحقون للعقاب لئلا يتوهم ضعيف أن الطوفان لعمومه ربما أهلك من لا يستحق الهلاك فأخبر اللّه سبحانه أن الهالكين هم الذين تقدم ذكرهم وما كانوا يفعلونه مع نبيه من السخرية التي استحقوا بها الهلاك، وانهم الذين وصفهم بالظلم ووعد نبيه باغراقهم ونهاه عن مخاطبته فيهم ليرفع ذلك الاحتمال فيعلم أن اللّه سبحانه قد أنجز نبيه ما وعده وأهلك القوم الظالمين الذين قدم ذكرهم ووصفهم ووعد باغراقهم.
٣- الاشارة :