الفن الثالث من فنون هذه الآية فن الاشارة وقد تقدم بحثه وعرفه قدامة فقال : هو أن يكون اللفظ القليل دالا على الكثير من المعاني حتى تكون دلالة اللفظ بمثابة الإشارة باليد أو الايماءة بالحاجب والعين فانها تشير بحركة واحدة سريعة الى أشياء كثيرة تستوعب العبارات الطويلة ومن أمثلتها في الآية التي نحن بصددها قوله « و غيض الماء » فإن غيض الماء يشير الى انقطاع مادة الماء من نبع الأرض ومطر السماء ولو لا ذلك لما غاض الماء.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ٣٦٢
٤- الارداف :
أما الفن الرابع فهو فن عجب في بابه، وهو أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظه الموضوع له، ولا بلفظ الاشارة الدال على المعاني الكثيرة بل بلفظ هو ردف المعنى الخاص وتابعه قريب من لفظ المعنى قرب الرديف من الردف وهو هنا في قوله تعالى « و قضي الأمر » وحقيقة ذلك : وهلك من قضى اللّه هلاكه ونجا من قضى نجاته وانما عدل عن هذه الحقيقة الى لفظ الارداف من الإيجاز والتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجي كان بأمر آمر مطاع، وقضاء من لا يرد قضاؤه، والأمر يستلزم آمرا وقضاؤه يدل على قدرة الآمر به وطاعة المأمور تدل على قدرة الآمر وقهره، وان الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يحضّان على طاعة الآمر، ولا يحصل ذلك كله من اللفظ الخاص.
هذا ومن أمثلة الارداف في الشعر قول أبي الطيب المتنبي :
لو كنت حشو قميصي فوق نمرقها سمعت للجن في غيطانها زجلا
و مراده نفسه بقوله « حشو قميصي »، يقول : لو كنت بدلي تحت ثيابي وفوق نمرق ناقتي وهو الذي يلقي عليه الراكب فخذه للاستراحة، لسمعت جلبة الجن وأصواتهم في منخفض هذه المفاوز البعيدة لأنها مأوى الجن لبعدها عن الإنس، والعرب تجعل المكان البعيد مسكنا للجن تهويلا له واستيحاشا منه.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ٣٦٣
٥- الاحتراس :


الصفحة التالية
Icon