و اذن فمن الخطأ كل الخطأ أن نقول أن قرآنا نزل ليكون معجزة نبي ثم نقول : إنا قادرون على أن نبدل لفظا مكان لفظ لأن لدينا الكثير من الألفاظ أي المترادفات. استمع الى هذه الآية :« للذين آمنوا انظرونا » ثم نقرؤها على الأحرف التي يقولون عنها هكذا « للذين آمنوا امهلونا » أو « للذين آمنوا ارقبونا » ولنترك للقارى ء أن يدقق النظر قليلا ويطيل التفكير ليرى هل يتفق معنى هذه التعابير كلها وهل يبقى لها مكانها من الاعجاز وهي بهذه الصورة واسمع الى الآية الأخرى :
« كلما أضاء لهم مشوا فيه » و « كلما أضاء لهم مروا فيه » و « كلما
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ١٥٤
أضاء لهم سعوا فيه »
من يقل أن مشى وسعى ومر متساوية في الاستعمال فهو جاهل كل الجهل خابط في عشواء من الضلال.
الأحرف السبعة، إذن، شي ء آخر غير هذه التعديلات والتبديلات وأدنى الى الصواب في توضيحها ما ذكرناه من تضمن القرآن الكثير من الألفاظ الأعجمية التي دخلت اليه والى لغة قريش من الشعوب المحيطة بشبه الجزيرة وسيأتي مزيد بيان لهذا البحث الجليل الذي طال قليلا ولم يكن من شرط الكتاب.
و نذكر بهذه المناسبة أن المرحوم الأستاذ عباس محمود العقاد وضع كتابيه :« أبو الأنبياء : الخليل ابراهيم » و « الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين » وتصدى فيهما لقضية لغة خليل الرحمن ابراهيم عليه الصلاة والسلام ورد على المنحرفين الذين يريدون أن ينحرفوا ببحوثهم في اتجاه معين مسبوق بتخطيط ينسلخ بسببه العرب عن صلتهم بالخليل وأثبت صلة ابراهيم الوثيقة بالعروبة في وقت مبكر يقع بين القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد ونرى تتميما لبحثه الرفيع أن نورد حديثا ساقه الامام البخاري في صحيحه ورواه بسنده عن ابن عباس رضي اللّه عنهما وقد استوعب هذا الحديث صفحات عدة من هذا السفر العظيم نوجز تلخيصه وتحديد موضوعاته فيما يأتي :


الصفحة التالية
Icon