وقفنا على مناظرة جرت بين الكسائي وأبي يوسف بصدد قوله تعالى « إلا امرأته » وحكم « إلا » إذا تكررت فقد سأل الكسائي أبا يوسف عمن قال : له عليّ مائة درهم إلا عشرة إلا اثنين فقال :
يلزمه ثمانية وثمانون فقال الكسائي بل يلزمه اثنان وتسعون واستدل بالآية فلم يخالفه وهذا يؤيد رأي أبي البقاء ويخطى ء قول الزمخشري وقال ابن هشام : ونظيره قوله تعالى « إنا أرسلنا الى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته » فالمرأة مستثناة من الأول والآل مستثنون من القوم المجرمين وهو منقطع والثاني متصل كذا ظهر لي وبعد فلا يمتنع عندي في مثل عشرة إلا أربعة الا اثنين أن يستثنى الاثنان من الأصل لأن الحمل على الأقرب أرجح لا متعين وكفى بباب التنازع شاهدا وإن كلّا من الفريقين يجيز أعمال كل من العاملين إلا ما استثني لعارض والعارض يوجد هنا أيضا نحو عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة فإن قلت : ما المانع من أن يكون في الآية الاستثناء الثاني من القوم المجرمين ويرجحه الاتصال على هذا أيضا لأنها من الآل ومن المجرمين قلت : متى قيل هذا فقد أبعد القائل وأحال أما الأول فواضح وأما الثاني فلأن معنى أرسلنا بالعذاب فلا يصح إخراجها من المعذبين فان قلت : فما المانع من أن يستثنى من هم في إنا لمنجوهم وحينئذ تكون معذبة ويكون حملا على أقرب ما ذكرت وتخرج الآية عن الاستثناء من الاستثناء قلت هو قول الزمخشري وليس عندي كغالب أقواله الاعرابية لأن « إنا لمنجوهم أجمعين » إنما ذكرت توكيدا لا تأسيسا لاستفادة معناها من الإخراج من حكم المعذبين.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٢٥١


الصفحة التالية
Icon