في قوله تعالى :« و بالنجم هم يهتدون » التفات من الخطاب الى الغيبة والفائدة منه انه لما كانت الدلالة من النجم أنفع الدلالات وأوضحها في البر والبحر نبه على عظمها بالالتفات إلى مقام الغيبة لإفهام العموم ولئلا يظن أن المخاطب مخصوص بذلك وزاد التأكيد بتقديم الجار والمجرور كأنما يشير من طرف خفي الى أن دلالة غير النجم ضئيلة لا يؤبه لها.
٣- التشبيه المقلوب :
و ذلك في قوله تعالى « أ فمن يخلق كمن لا يخلق » إذ مقتضى
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٢٨١
الظاهر عكسه لأن الخطاب لعباد الأوثان حيث سموها آلهة تشبيها به تعالى فجعلوا غير الخالق كالخالق فجاءت المخالفة في الخطاب كأنهم لمبالغتهم في عبادتها ولا سفافهم- بالتالي- وارتكاس عقولهم صارت عندهم كالأصل وصار الخالق الحقيقي هو الفرع فجاء الإنكار على وفق ذلك. وللتشبيه المقلوب أسرار كثيرة ومنها هذا السر الذي ألمعنا اليه ومنها أن ينسى الإنسان أن المشبه به هو المقدّم لشدة ولعه بالمشبه فيعكس التشبيه كما فعل البحتري في وصف البركة التي بناها المتوكل على اللّه إذ قال :
كأنها حين لجت في تدفقها يد الخليفة لمّا سال واديها
و المعهود أن تشبه يد الخليفة في تدفقها بالكرم بالبركة إذا تدفقت بالماء.
هذا وقد جرى الشعراء على مذهب القلب كثيرا فمنهم من أصاب كما أصاب أبو عبادة البحتري ومنهم من أخطأ وتعسف، وزعم أبو بكر الصولي أن أبا تمام قد أخطأ في قلبه بقوله :
طلل الجميع لقد عفوت حميدا وكفى على رزئي بذاك شهيدا