و إذا أراد اللّه نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
مقطوعا عن البيت الذي يليه برغم أن البيت واضح المعنى ثم اتبعه بالبيت التالي :
لو لا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
و انظر هل نشر المعنى تمام حلته وأظهر المكنون من حليته وزينته واستحق التقديم كله إلا بالبيت الأخير، وما فيه من التمثيل والتصوير.
و سيأتي من روائع التمثيل في كتابنا ما يذهل الألباب.
عودة إلى الآية :
و الآية التي نحن بصددها من أرقى ما يصل اليه التمثيل وهي خالدة لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة فالبناء كان ولا يزال يمثل القوة والجدّة والثراء، وتداعيه وتطوحه يمثل قديما وحديثا زوال ذلك كله وفناءه ذلك لأن الاستعارة التمثيلية أساسها التشبيه فلا عجب أن تختلف فبها الأذواق باختلاف الأزمنة كما اختلفت في تقدير التشبيه وها نحن أولاء اليوم لا نستسيغ كثيرا من الاستعارات التي أوحت بها البيئة
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٢٩٢
الماضية والتي تبقى رواسم جامدة يبهرنا لفظها أكثر مما يوضحه في نفوسنا معناها أما الاستعارة التي تتجاوز ظروف الزمان والمكان وتضمن لها الجدّة الباقية بقاء الدهر فهي الاستعارة التي تحقق غرض القائل وتكون فيها الصورة المشبهة بها واضحة معروفة تصور ما تريد أن تصوره بوضوح وتأثير وإيجاز وتضاف إليها روافد كهذه الآية عند ما قال « فخر عليهم السقف من فوقهم » فقد أكد التمثيل بقوله من فوقهم لأن السقف لا يخر إلا من فوق لأنه أشعر بخروره فوقهم أنهم تحته فأزال احتمال أن يكونوا غير موجودين تحته وأكد إبطال مؤامراتهم بموتهم متأثرين بما نصبوه للآخرين على حد قول المثل :« من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ».
٢- الاحتراس :


الصفحة التالية
Icon