٢- « و كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه » تعبير مسوق على عادة العرب كانوا لا يباشرون عملا من الأعمال الهامة إلا إذا اعتبروا أحوال الطير ليتبينوا إذا كانت مغبة العمل خيرا أم شرا فإذا طارت الطير بنفسها أو بإزعاج من أحد متيامنة تفاءلوا وأقدموا على عملهم وإذا طارت متياسرة تشاءموا وأحجموا عن عملهم ولما كثر منهم ذلك سموا نفس
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٤٠٢
الخير والشر بالطائر تسمية للشي ء باسم لازمه على طريق المجاز المرسل وقد تقدم ذكره كثيرا.
و إنما خص العنق بالذكر لأنه محل القلادة التي تزين الجيد وتبدو لأول وهلة وتسم المتقلد بها بالوسامة فكان ذلك كناية عن اتصافه بالخير والشر المقدرين له في لوح الأزل وإيثاره باختياره جانب واحد منهما كالذي يتبع السوانح وهي الطير الذاهبة متيامنة والذي يتبع البوارح وهي الطير الذاهبة متياسرة وأجاز بعضهم أن يكون الكلام من باب الاستعارة التصريحية أي استعير الطائر لما هو سبب الخير والشر من قدر اللّه وعمل العبد أي لما جعلوا الطائر سببا للخير والشر وأسندوهما اليه باعتبار سنوحه وبروحه استعير الطائر لما كان سببا لهما وهما قدرة اللّه الكائنة وعمل العبد المختار وكما أن الطائر الحقيقي يأتي الى كل مكان بعد مزايلة وكناته وأعشاشه فكذلك الحوادث تنتهي إلى الإنسان.
٣- الطباق بين الهدى والضلال وقد تقدم.
٤- في قوله « و جعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة » فن الجمع مع التفريق وهو أن يجمع المتكلم بين شيئين في حكم واحد ثم يفرق بينهما في ذلك الحكم، ومما ورد منه في الشعر قول البحتري البديع :
و لما التقينا والنقا موعد لنا تعجب رائي الدرّ منّا ولا قطه
فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٤٠٣
الفوائد :
الاشتغال :


الصفحة التالية
Icon