فصير لماء الوجه ماء، وقالوا ماء الشباب يجول في وجناته، فما يكون أن استعار أبو تمام من هذا كله حرفا فجاء به في صدر بيته لما قال في آخر بيته :« فانني صب قد استعذبت ماء بكائي » قال في أوله :
لا تسقني ماء الملام، وقد تحمل العرب اللفظ على اللفظ فيما لا يستوي معناه قال اللّه عز وجل :« و جزاء سيئة سيئة مثلها » والسيئة الثانية ليست بسيئة لأنها مجازاة ولكنه لما قال : وجزاء سيئة قال : سيئة فحمل على اللفظ وكذلك « و مكروا ومكر اللّه » وكذلك :« فبشرهم بعذاب أليم » لما قال بشر هؤلاء بالجنة قال : بشر هؤلاء بالعذاب، والبشارة انما تكون في الخير لا في الشر فحمل اللفظ على اللفظ ويقال : إنما قيل لها البشارة لأنها تبسط الوجه فأما الشر والكراهة فانهما يقبضانه، وقال الأعشى :
يزيد بغضّ الطرف دوني كأنما زوى بين عينيه عليّ المحاجم
و قال اللّه عز وجل :« و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة » فهذه أجمل استعارة وأحسنها وكلام العرب جاء عليها فما يكون أن قال أبو تمام :
لا تسقني ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٤١٥
أما ابن الأثير فيقول في كتابه « المثل السائر » :
« و قد عيب عليه قوله :
لا تسقني ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي