يا دهر قوّمّ أخدعيك فقد أضججت هذا الأنام من خرقك
و قال :
سأشكر فرجة الليت الرخي ولين أخادع الدهر الأبي
و قال :
أنزلته الأيام عن ظهرها من بعد إثبات رجله في الركاب
و قال :
كأنني حين جردت الرجاء له غضّا صببت به ماء على الزمن
ثم قال :« و أشباه هذا مما إذا تتبعته في شعره وجدته فجعل كما ترى مع غثاثة هذه الألفاظ للدهر أخدعا ويدا تقطع من الزند وكأنه يصرع ويحل ويشرق بالكرام ويبتسم وان الأيام تنزلع والزمان أبلق وجعل للممدوح يدا وجعل للأيام ظهرا يركب والزمان كأنه صب عليه ماء » ولننظر الآن في ماء الملام- عند أبي تمام- أهو تعبير طبيعي؟ أهو
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٤١٧
تعبير سائغ مستحسن؟ إن إطلاق الماء وإضافته الى البكاء يثب بالذهن أولا الى الصورة المباشرة المعروفة للماء الذي يشرب والماء في البحار والمحيطات والأنهار ثم ماء المطر ومجرد أن تنطلق كلمة بكاء يتضاءل المعنى الأول فجأة وينكمش الى صورة جزئية هي بضع قطرات من الدمع ولكن على أية حال هناك صلة تجعل الصورة محتملة، أما ماء الملام فلا صلة البتة بين الماء والملام وإذا انطلقت كلمة ماء بمعانيها الاصلية والربطية ومعها كلمة الملام ومعانيها الربطية فلا يجمع بينهما صلة أو رابط مشترك من الصور الجزئية لذلك كان التعبير باردا مختلا لا يدل في الذهن على شي ء لأنه لا صلة بين الملام والماء، أما ما احتج به الصولي من القرآن فلا يبرر ما اعتمده فإن كلمة السيئة اقترنت بكلمة الجزاء فأثارت معنى آخر مقابلا هو القصاص وقد سماه القرآن سيئة ولكن أصحاب البديع يحاولون الاستشهاد بالشاهد القرآني ليبرروا صناعة أبي تمام ومن نحا نحوه.


الصفحة التالية
Icon