وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) الواو عاطفة وان واسمها واللام المزحلقة وجاعلون خبرها وما مفعول به ثان لجاعلون وعليها صلة وصعيدا مفعول به ثان لجاعلون وجرزا نعت لصعيدا ويجوز اعتبار الكلمتين بمعنى واحد نحو الرمان حلو حامض أي مز، فهما
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٥٣٤
بمثابة المفعول الثاني ولعله أولى وسيأتي تحقيقه في موضعه من هذا الكتاب.
البلاغة :
اشتملت هذه الآيات على أفانين متعددة من فنون البلاغة نذكرها فيما يلي :
١- التكرير :
١- التكرير وقد تقدم ذكره في قوله تعالى « و لم يجعل له عوجا قيما » فإن نفي العوج معناه إثبات الاستقامة وإنما جنح الى التكرير لفائدة منقطعة النظير وهي التأكيد والبيان، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة، مجمع على استقامته ومع ذلك فإن الفاحص المدقق قد يجد له أدنى عوج فلما أثبت له الاستقامة أزال شبهة بقاء ذلك الأدنى الذي يدق على النظرة السطحية الاولى.
٢- المطابقة :
فقد طابق سبحانه بين العوج والاستقامة فجاء الكلام حسنا لا مجال فيه لمنتقد كما حدث لأبي الطيب الذي أهمل المطابقة في قصيدة من أبدع قصائده وذلك انه أنشد في مجلس سيف الدولة قوله :
نظرت الى الذين أرى ملوكا كأنك مستقيم في محال
فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٥٣٥
فقيل له : إن المحال لا يطابق الاستقامة ولكن القافية ألجأتك الى ذلك ولكن لو فرض أنك قلت : كأنك مستقيم في اعوجاج كيف كنت تصنع في البيت الثاني؟ فقال ولم يتوقف :« فإن البيض بعض دم الدجاج » فاستحسن هذا من بديهته.
نقول : إنما يستحسن هذا في سرعة البديهة وإلا أين قوله : فإن المسك بعض دم الغزال من قوله : فإن المسك بعض دم الدجاج.


الصفحة التالية
Icon