و لما كنا نريد أن ننصف النقد نورد ما أخذه أحد خصوم المتنبي عليه من أنه كان لا يقيم للمطابقة وزنا وان ديدنه عدمها وذلك رغم إعجابنا الشديد بشاعر الخلود وتفضيلنا إياه على جميع شعراء العربية في القديم والحديث، قال الناقد القديم :
و أما عدم المطابقة في شعر أبي الطيب المتنبي فكثير جدا من ذلك قوله :
و لكل عين قرة في قربه حتى كأن مغيبه الأقذاء
القرة ضدها السخنة والاقذاء ليست ضدها وقوله أيضا :
و لم يعظم لنقص كان فيه ولم يزل الأمير ولن يزالا
العظم ضد الحقارة والنقص ضد الكمال فلو قال : ولم يكمل لنقص كان فيه، لكان أمنع.
و كذلك قوله رغم سموه وابداعه :
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها سرور محب أو اساءة مجرم
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٥٣٦
و ليس المجرم ضد المحب ولا السرور ضد الإساءة وإنما المجرم ضد المحسن والمحب ضد المبغض والاساءة ضد الإحسان.
و كذا قوله :
و انه المشير عليك فيّ بضدّه فالحر ممتحن بأولاد الزنا
و الحرّ ضد اللئيم.
٣- نفي الشي ء بايجابه :
و ذلك في قوله تعالى « و قالوا اتخذ اللّه ولدا ما لهم به من علم » وقد تقدم ذكر هذا الفن وله تسمية أخرى وهي عكس الظاهر وهو من مستطرفات علم البيان وذلك أن تذكر كلاما يدل ظاهره على أنه نفي لصفة موصوف وهو نفي للموصوف أصلا فإن لقائل أن يقول : ان اتخاذ اللّه ولدا هو في حد ذاته محال فكيف ساغ قوله « مالهم به من علم » ؟
و هو يشبه الاعتراض في قوله تعالى « و ان تشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانا » فإن ذلك كله وارد على سبيل التهكم وإلا فلا سلطان على الشرك حتى ينزل، والولد في حد ذاته محال لا يستقيم تعلق العلم ولكنه ورد على سبيل التهكم والاستهزاء بهم، ونظيره كما تقدم قوله صلى اللّه عليه وسلم :« لا تثنى فلتاته » أي لا تذاع سقطاته وليس ثمة فلتات فتثنى وقول الشاعر يصف فلاة :
لا تفزع الأرنب أهوالها ولا ترى الضبّ بها ينجحر