فإن ظاهر هذا المعنى أنه كان هناك ضب ولكنه غير منجمر وليس ذلك كذلك بل المعنى انه لم يكن ثمة ضب أصلا.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٥٣٧
٤- التشبيه التمثيلي البليغ المصون عن الابتذال :
و ذلك في قوله تعالى « فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا » فقد شبهه تعالى وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وأصروا على المكابرة والعناد واللجاج بالسفسطة الباطلة ثم ما تداخله من جراء ذلك من وجد وأسف على توليهم وإشفاق عليهم لسوء المغاب التي تؤول إليها أمورهم. شبه ذلك سبحانه برجل فارقه أحبته وأعزته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجدا عليهم وتلهفا على فراقهم وأتى بهذه الصورة الفريدة صيانة لتشبيهه من الابتذال فإن التلهف على فراق الأحبة، واستشعار الوجد أمر شائع تناوله الشعراء في أشعارهم، وتحدثوا في قصائدهم عن لواعجهم، وهذا مقياس يقاس به البليغ يترفع في تشبيهه المألوف عن العادي من التشبيه بتزاويقه وتحاسينه ويفيض عليه من روائه وكان المتنبي، بنوع خاص، يتفطن لذلك ويصون تشبيهه الذي لا مندوحة له عنه من الابتذال وسنورد لك نماذج من شعره لتعلم الى أي مدى بلغ هذا الشاعر الخالد.
فقد صور أبو الطيب موقفا من مواقف الغزل اضطر فيه إلى تشبيه نفسه بالميت المتكلم ومحبوبته بالبدر المبتسم وكلا هذين التشبيهين وارد تناولته الشعراء فابتذل وذهبت جدته وإذن فليجعل من الحوار وسيلة إلى تصوير موقف رائع يحلو فيه التشبيه ويبدو معه جديدا كل الجدة قال :
نرى عظما بالبين والصد أعظم ونتهم الواشين والدمع منهم
و من لبّه مع غيره كيف حاله ومن سره في جفنه كيف يكتم
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٥٣٨
و لما التقينا والنوى ورقيبنا غفولان عنا ظلت أبكي و
تبسم فلم أر بدرا ضاحكا قبل وجهها ولم تر قبلي ميتا يتكلم


الصفحة التالية
Icon