أوقعني في هذه العبودية، فقال الخضر سأخبرك من أنا، أنا الخضر الذي سمعت به سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي شي ء أعطيه فسألني بوجه اللّه فأمكنته من رقبتي فباعني وأخبرك أنه من سئل بوجه اللّه فردّ سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة جلدة ولا لحم له يتقعقع، فقال له الرجل : آمنت باللّه، شققت عليك يا نبي اللّه ولم أعلم، قال : لا بأس أحسنت وأتقنت، فقال الرجل : بأبي أنت وأمي يا نبي اللّه احكم في أهلي ومالي بما شئت أو اختر فأخلّي سبيلك، قال : أحبّ أن تخلّي سبيلي فأعبد ربي، فخلّى سبيله، فقال الخضر الحمد للّه الذي أوثقني في العبودية ثم نجاني منها ».
لمحة تحليلية :
أخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، في هذا الحديث، عن نبذة طريفة عن الخضر، ومدى إيمانه العميق باللّه ورغبته في ثوابه ورهبته من عقابه لتكون بمثابة معالم الصبح لكل مؤمن بما يعتقده حقا وصوابا، لا يبالي ما يتكبده في سبيل ترسيخ ما يعتقده في النفوس كما انطوت النبذة على ميله إلى إجابة السائل الفقير المحتاج ولو ببيع نفسه قال أحدهم :
يجود بالنفس إذ ضنّ الجواد بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
بثّ النوال ولا تمنعك قلته فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود
ثم أعطى الخضر نصيحة غالية تصلح للاحتذاء في مختلف ظروف الزمان والمكان، فحذر المسئولين من البخل خشية الوقوف يوم الحساب
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٦٣٦
حفاة عراة وهيئة أجسامهم رثة بالية تضطرب لرداءتها وقذارتها فكأن جسمه جلدة مثل الهيكل فقط يضطرب ويتحرك ولا تستدل عليه إلا بقعقعة خفيفة وأحسب أبا الطيب رمق سماء هذا المعنى حين قال واصفا نحو له :
كفى بجسمي نحولا أنني رجل لو لا مخاطبتي إياك لم ترني


الصفحة التالية
Icon