هذا وفي قوله واشتعل الرأس شيبا فن الإطناب فقد انتقل أولا من شخت الدال على ضعف البدن وشيب الرأس إجمالا الى هذا التفصيل لمزيد التقرير، وثانيا من هذه المرتبة إلى ثالثة أبلغ منها وهي الكناية التي هي أبلغ من التصريح، وثالثا من هذه المرتبة الى رابعة أبلغ في التقرير وهي بناء الكناية على المبتدأ أي قولك : أنا وهنت عظام بدني، ورابعا من هذه المرتبة الى خامسة أبلغ وهي إدخال إن على المبتدأ أعني قولك إني وهنت عظام بدني، وخامسا الى مرتبة سادسة وهي سلوك طريق الإجمال ثم التفصيل أعني إني وهنت العظام من بدني، وسادسا الى مرتبة سابعة وهي ترك توسيط البدن لا دعاء اختصاصها بالبدن بحيث لا يحتاج الى التصريح بالبدن، وسابعا الى مرتبة ثامنة وهي ترك جمع العظم إلى الإفراد لشمول الوهن العظام فردا فردا.
٣- التجريد :
و ذلك في قوله تعالى « فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦٣
آلِ يَعْقُوبَ »

و قد قدمنا القول فيه مختصرا وسنورده الآن مستوفى :
فنقول ان التجريد هو أن ينتزع المتكلم من أمر ذي صفة أمرا آخر بمثاله له فيها مبالغة لكمالها فيه كأنه بلغ من الاتصاف بتلك الصفة الى حيث يصح أن ينتزع منه موصوف آخر بتلك الصفة وهو أقسام :
أ- أن يكون بمن التجريدية كقولهم لي من فلان صديق حميم ومنه الآية الكريمة ومثله للقاضي الفاضل في وصف السيوف :
تمدا إلى الأعداء منها معاصسا فترجع من ماء الكلي بأساور
ب- أن يكون بالباء التجريدية الداخلة على المنتزع منه نحو قول ابن هانى ء :
و ضربتم هام الكماة ورعتم بيض الخدور بكل ليث مخدر
و قال أبو تمام :
هتك الظلام أبو الوليد بغرة فتحت لنا باب الرجاء المقفل
بأتم من قمر السماء وإن بدا بدرا وأحسن في العيون وأجمل
و أجل من قس إذا استنطقته رأيا وألطف في الأمور وأجزل
و المراد بأتم من قمر السماء نفس أبي الوليد.


الصفحة التالية
Icon