أما ابن الحاجب فقد قال : ان المعتبر ما يعد في العادة مرتبا من غير مهلة فقد يطول الزمان والعادة تقضي في مثله بانتفاء المهلة وقد تقصر والعادة تقضي بالعكس فإن الزمن الطويل قد بستغرب بالنسبة الى عظم الأمر فتستعمل الفاء وقد يستبعد الزمن القريب بالنسبة الى طول أمر يقضي العرف بحصوله في زمان أقل منه، والذي يظهر من كلام الجماعة أن استعمال الفاء فيما تراخى زمانه ووقوعه من الأول سواء قصر في أولا وإنما هو بطريق المجاز ».
و قال الجرمي : لا تفيد الترتيب في البقاع ولا في الأمطار بدليل « بين الدخول فحومل » مطرنا مكان كذا فمكان كذا إذا كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد واعترض على معنى التعقيب بقوله تعالى :
« الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى » فإن إخراج المرعى لا يعقبه جعله غثاء أحوى أي يابسا أسود والجواب من وجهين :
آ- ان جملة فجعله غثاء أحوى معطوفة على جملة محذوفة وان التقدير فمضت مدة فجعله غثاء.
ب- ان الفاء نابت عن ثم والمعنى جعله غثاء وسيأتي تفصيل ذلك في حينه.
٣- لما ذا انقشع الحزن عنها بسبب وجود الطعام والشراب؟
و لا بد هنا من الاجابة على سؤال قد يرد فإن ظاهر الكلام يدل على أن حزنها سينقشع بسبب وجود الطعام والشراب وذلك في قوله تعالى :« فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً » ومعلوم بأن حزنها لم يكن بسبب ذلك، ولا هو ناجم عن فقدان الطعام والشراب ولكن السر في
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٩٧
ذلك أن التسلية ونسيان الحزن لم يقعا بها من حيث أنهما طعام وشراب ولكن من حيث أنهما معجزة باهرة ترهص لها، وتدحض باطل القوم وتثبت كذبهم وإرجافهم، كما تثبت أنها من أهل العصمة والبعد من الريبة وأنها بمعزل عما قرفوها به ثم ان الأمور الخارجة عن العادات لا يمكن إلا أن تكون إلهية ولحكمة نجهلها ومن ذلك ولادتها عيسى من غير فحل وهذا من عجائب الاساليب.
لما ذا منعت من الكلام؟


الصفحة التالية
Icon