بحرمة ما قد كان بيني وبينكم من الود إلا عدتم بجميل
و أبدع أبو الطيب بقوله :
أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا والبين جار على ضعفي وما عدلا
و الوجد يقوى كما تقوى النوى أبدا والصبر ينحل في جسمي كما نحلا
لو لا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
بما بجفنيك من سحر صلي دنفا يهوى الحياة وأما إن صددت فلا
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ١٣٥
٢- الافتنان :
و ذلك في قوله تعالى « ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا » والافتنان هو أن يفتن المتكلم فيأتي في كلامه بفنين إما متضادين أو مختلفين أو متفقين والآية التي نحن بصددها جمعت بين المتضادين :
جمعت بين الوعد والوعيد، بين التبشير والتحذير وما يلزم من هذين الفنين من المدح للمختصين بالبشارة والذم لأهل النذارة وستأتي منه أمثلة عديدة في القرآن الكريم.
و من الجمع بين المتضادين في الشعر قول عبد اللّه بن طاهر بن الحسين ونسبهما في الكامل لأبي دلف :
أحبك يا ظلوم وأنت مني مكان الروح من جسد الجبان
و لو أني أقول مكان روحي خشيت عليك بادرة الطعان
فانظر كيف جمع في هذا الشعر بين الغزل والحماسة والغزل لين والحماسة شدة وقال عنترة وأبدع :
إن تغد في دوني القناع فانني طب بأخذ الفارس المستلئم
و هذا من أحسن ما قيل في هذا الباب فإنه جمع فيه بين الغزل والحماسة والجد والهزل فأتى فيه بنادرة طريفة وطرفة غريبة حيث قال بعد وصفها بستر وجهها دونه بالقناع حتى صار ما بين بصره وبين وجهها كالليل المغدف الذي يحول بين الأبصار والمبصرات : انني طب بأخذ الفارس المستلئم يقول : إن تتبرقعي دوني فانني خبير لدربتي بالحرب بأخذ الفارس الذي سترته لأمته، وحالت دوني ودون مقاتلته فأبرز
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ١٣٦
الجد في صورة الهزل فجاء في بيته مع الافتنان التندير الطريف وعبر عن معناه اللطيف بهذا اللفظ الشريف.


الصفحة التالية
Icon