و جمع الحطيئة بين المدح والهجاء في بيت واحد من قصيدة يمدح بها بغيضا ويهجو الزبرقان وقد شكاه الزبرقان بسببها الى عمر بن الخطاب :
قد ناضلونا وسلوا من كنانتهم مجدا تليدا ونبلا غير أنكاس
و معنى هذا البيت لا يعرفه إلا من عرف أن عادة العرب إذا منوا على أسير أعطوه نبلا من نبلهم عليها اشارة تدلّ على أنها لأولئك القوم لا تزال في كنانته، فقال الحطيئة لهذا الممدوح الذي عناه بهذا المدح :
إن عداك لما فاخروك سلوا من كنانتهم تلك التي أعطيتها لهم حتى مننت عليهم تشهد لك بأنهم عتقاؤك فكان هذا مجدا تليدا لك لا يقدرون على جحده تثبته لك هذه النبل التي ليست بأنكاس يعني الصائبات التي لا تنكب إذا ناضلت بها عن الغرض وهذا غاية المدح للمدوح ونهاية الهجاء لعداه إذ أخبر بأنهم مع معرفتهم بفضله عليهم يفاخرونه بما إذا أظهروه أثبت له الفضل عليهم وهذا غاية الجهل منهم والغباوة.
و من الجمع بين الهجاء والمدح أو الفخر قول أبي العلاء المعري :
بأي لسان ذامني متجاهل عليّ وخفق الريح فيّ ثناء
تكلم بالقول المضلّل حاسد وكل كلام الحاسدين هراء
أ تمشي القوافي تحت غير لوائنا ونحن على قوالها أمراء
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ١٣٧
و لا سار في عرض السماوة بارق وليس له من قومنا خفراء
فهو إذ يفخر بنفسه يهجو أبناء جنسه الذين يتطاولون وهم قصار ويدعون المعرفة والجهل يكتنفهم أولم يقل لهم مخاطبا :
غدوت مريض العقل والدين فالقني لتخبر أبناء العقول الصحائح
و الروح العلائية معروفة فلا لزوم للشرح والتبسط.


الصفحة التالية
Icon