ح- تعظيم مساءلة ربه له عن منافعها فابتدأه بالجواب عن السؤال المقدر قبل وقوعه أدبا مع ربه.
و الواقع أن السؤال إذا كان واردا على شي ء ظاهر فذلك السؤال إنما يتوجه الى أمر يتعلق به بحسب مقتضى الحال وإلا كان عبثا لظهوره
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ١٧٨
كما إذا سألت شخصا عن لبس ثياب السفر بقولك : ما هذا الثوب؟
فإنك لا تسأل عن نفس الثوب وما هيته بل إنما سألت عن سبب لبسه فكأنك قلت : ما سبب عزيمتك؟ فجواب اللابس حينئذ أن يقول :
أريد سفر كذا ولو أجاب بأنه كتان مثلا عدّ لاغيا فكذلك هاهنا لما كان السؤال عن أمر ظاهر فيكون متوجها الى ما يتعلق بالعصا من منافعها فكأنه قال : ما تفعل بما في يمينك با موسى؟ فلذلك قال : هي عصاي أتوكأ عليها... الآية فإن قلت : لو كان قوله تعالى : وما تلك بيمينك سؤالا عما لا يتعلق بالعصا فكان حقّ الجواب أن بقول : أريد أن أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولكان قوله : هي عصاي ضائعا غير مطابق للسؤال كما في السؤال عن نبس السفر.
قلت : هذا السؤال وإن كان عما يتعلق بالعصا لكنه تعالى لما علم أنه سيرد عليها الصورة الثعبانية عند سحر السحرة وكان ذلك مقام أن يخاف موسى بمشاهدة الصورة المنكرة التي ليس يعهدها فأراد تثبيت ماهيتها وعوارضها في نفسه لئلا يدهش عند ورودها عليه فلذلك قال : ما تلك ليجيب عن ماهيتها أيضا كما يجيب عن منافعها لزيادة التثبيت فحاصل معنى الجواب حينئذ هي عصاي أعرفها بالذات والعوارض وإن صورتها مقررة في نفسي لا تنفع إلا منافع أمثالها فإني قديما أتوكأ عليها وأهش بها على عنمي ولي فيها مآرب أخرى.
و اختار « تلك » مع قرب المشار اليه إما لتحقيره بالنسبة الى جناب كبريائه أو للتعظيم لاشتمالها على الأمور العجيبة والمنافع الكثيرة.
٢- التقرير :