١- التذييل : في قوله تعالى :« وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ » فن طريف من فنون البلاغة أطلق عليه علماؤها اسم « التذييل » وعرفوه بأنه تذييل الكلام بعد تمامه وحسن السكوت عليه بجملة تحقق ما قبلها من الكلام وتزيده توكيدا وتخرجه مخرج المثل السائر ليشيع الكلام بعد دورانه على الألسنة فإن لم تكن الزيادة تفيد ذلك فلا يسمى تذييلا وبعضهم يسميه آنذاك تذييلا ولكنه يقول عنه أنه معيب وما أجدر المعيب أن ينتفى عن فنون البلاغة أو يندرج في سلكها وهو شائع في القرآن الكريم وستأتي أمثلة كثيرة منه، أما في الآية التي نحن بصددها فإن المعنى مستوفى في الاخبار بأنه سبحانه لم يجعل لبشر قبل نبيه الخلد ثم ذيل ذلك الاخبار بما أخرجه مخرج تجاهل العارف وهو قوله « أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ » ثم ذيل هذا التذييل بما أخرجه مخرج المثل السائر حيث قال :« كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ».
و من أروع أمثلة التذييل في الشعر قول شاعر الخلود أبي الطيب :
تمسي الأماني صرعى دون مبلغه فما يقول لشي ء ليت ذلك لي
يقول أبو الطيب : لا تصل الأماني الى قلبه فتستميله، ولا الى لسانه فتجري عليه لأنه لا يحتاج أن يتمنى شيئا إلا وله خير منه أو صار له ذلك الشي ء فالأماني تقصر عن بلوغ قدره، وتقصر عن جلالة أمره وتمسي صرعى دون إدراك مجده فما يتمنى في الرفعة أكثر مما
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٣١٢
قد بلغه، ولم يزل سيف الدولة لهجا بهذا البيت معظما له، مثنيا عليه، مقرا له بأنه لا يلحق سبقا ولا يأتي أحد في بابه من المبالغة بمثل ما أتى به.
و قال ابن نباتة السعدي وأجاد :
لم يبق جودك لي شيئا أؤمله تركتني أصحب الدنيا بلا أمل
لقد حقق له جميع آماله ومشتهياته فلم يعد لديه ما يؤمله وهبه صبا الى شي ء فإنه واثق بحضوره فغدا بلا آمال.