قال الحافظ بن حجر :« و جميع ذلك لا يتمشى مع قواعد المحدثين فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دلّ ذلك على أن لها أصلا وقد ذكرنا أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتجّ بالمرسل وكذا من لا يحتجّ به لاعتضاد بعضها ببعض وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله : ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلا وان شفاعتهن لترتجى، فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلى اللّه عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس فيه وكذا سهوا إذ كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته » ومضى قائلا :« و قد سلك العلماء في ذلك التأويل مسالك نحو السبعة فقيل جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة من النوم وهو لا يشعر فلما أعلمه اللّه بذلك أحكم آياته وهذا أخرجه الطبري عن قتادة ».
ورد القاضي عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي ذلك ولا ولاية للشيطان عليه في النوم.
و قيل : ان الشيطان ألجأه الى أن قال ذلك بغير اختيار. ورده ابن العربي بقوله تعالى حكاية عن الشيطان « وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ... الآية » قال : فلو كان للشيطان قوة على ذلك لما بقي لأحد قوة على طاعة.
و قيل : ان المشركين كانوا إذا ذكروا آلهتهم وصفوها بذلك فعلق
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٤٥٥
ذلك بحفظه صلى اللّه عليه وسلم فجرى على لسانه سهوا. وقد رد القاضي عياض ذلك فأجاد.
و قيل : لعله قال ذلك توبيخا للكفار، قال القاضي عياض وهذا جائز إذا كان هناك قرينة تدل على المراد ولا سيما وقد كان الكلام في ذلك الوقت في الصلاة جائزا والى هذا نحا الباقلاني.


الصفحة التالية
Icon