بكروا وأسروا في متون ضوامر قيدت لهم من مربط النّجّار
لا يبرحون ومن رآهم خالهم أبدا على سفر من الأسفار
و هذا المعنى مما يعثر عليه عند الحوادث المتجددة، والخاطر في مثل هذا المقام ينساق الى المعنى المخترع من غير كبير كلفة لشاهد الحال الحاضرة، ومما قاله فيها في صفة من أحرق بالنار :
ما زال سر الكفر بين ضلوعه حتى اصطلى سرّ الزناد الواري
نارا يساور جسمه من حرها لهب كما عصفرت شقّ إزار
طارت لها شعل يهدّم لفحها أركانه هدما بغير غبار
فصّلن منه كلّ مجمع مفصل وفعلن فاقرة بكل فقار
مشبوبة رفعت لأعظم مشرك ما كان يرفع ضوءها للساري
صلى لها حيا وكان وقودها ميتا ويدخلها مع الفجار
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٤٨٤
و قد ذيل البحتري على ما ذكره أبو تمام في وصف المصلبين فقال :
كم عزيز أباده فغدا ير كب عودا مركّبا في عود
أسلمته الى الرقاد رجال لم يكونوا عن وترهم برقود
تحسد الطير فيه ضبع البوادي وهو في غير حالة المحسود
غاب عن صحبه فلا هو موجو د لديهم وليس بالمفقود
و كأن امتداد كفيه فوق الجذع في محفل الردى المشهود طائر مدّ مستريحا جناحيه استراحات متعب مكدود
أخطب الناس راكبا فإذا أر جل خاطبت منه عين البليد
و من هذا الضرب ما جاء في شعر أبي الطيب المتنبي في وصفه الحمى :
و زائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي
كأن الصبح يطردها فتجري مدامعها بأربعة سجام
أراقب وقتها من غير شوق مراقبة المشوق المستهام
و من بديع ما أتى به في هذا الموضع أن سيف اللّه بن حمدان كان مخيما بأرض ديار بكر على مدينة ميا فارقين، فعصفت الريح بخيمته فتطّير الناس لذلك وقالوا فيه أقوالا فمدحه أبو الطيب بقصيدة يعتذر فيها عن سقوط الخيمة أولها :
أ ينفع في الخيمة العذّل وتشمل من دهرها يشمل
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٤٨٥


الصفحة التالية
Icon