و لابن الأثير كلام لطيف في هذا الصدد قال :« أما تمثيل نور اللّه تعالى بمشكاة فيها مصباح فإن هذا مثال ضربه للنبي صلى اللّه عليه وسلم ويدل عليه انه قال :« توقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية » وإذا نظرت الى هذا الموضع وجدته تشبيها لطيفا عجيبا وذاك أن قلب النبي صلى اللّه عليه وسلم وما ألقي فيه من النور وما هو عليه من الصفة الشفافة كالزجاجة التي كأنها كوكب لصفائها وإضاءتها، وأما الشجرة المباركة المباركة التي لا شرقية ولا غربية فانها عبارة عن ذات النبي صلى اللّه عليه وسلم لأنه من أرض الحجاز التي لا تميل الى الشرق ولا الى الغرب وأما زيت هذه الزجاجة فإنه مضي ء من غير أن تمسه نار والمراد بذلك أن فطرته فطرة صافية من الأكدار منيرة من قبل مصافحة الأنوار ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦١١
٤- التنكير : في تنكير قوله « نور على نور » ضرب من الفخامة والمبالغة لا أرشق ولا أجمل منه فليس هو نورا واحدا معينا أو غير معين فوق نور آخر مثله، وليس هو مجموع نورين اثنين فقط بل هو عبارة عن نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه بحد معين. وقد استهوى هذا التعبير شعراءنا العرب فرمقوا سماءه، قال أبو تمام يصف غربته في مصر :
أخمسة أعوام مضت لمغيبه وشهران بل يومان ثكل على ثكل
و قال أبو الطيب المتنبي :
أرق على أرق ومثلي يأرق وجوى يزيد وعبرة تترقرق
و قال شوقي في العصر الحديث يرثي المرحوم فوزي الغزي أحد أعلام دمشق :
جرح على جرح حنانك جلق حملت ما يوهي الجبال ويرهق